الإنسان العربي…وأعطاب مناهج التربية والتعليم

هشام يحيى

 لا يختلف أحد من المتابعين للأوضاع الخطيرة التي تمر بها المنطقة العربية بأن هناك جزء أساسي من الأزمة التي نعيشها مصادرها داخلية نابعة من ممارسات وسلوكيات تنتجها مناهج التعليم والتربية التي يتلقاها الإنسان العربي والتي تحمل بتشوهاتها الطائفية والمذهبية والعرقية غير الإنسانية كل هذا الكم من التعصب والإنغلاق والجهل…

وضمن هذا السياق يعتبر القطاع التعليمي والتربوي في أي مجتمع مفتاح التقدم والتطور لهذا المجتمع، فدور التعليم والتربية لا يجوز ابدا أن يقتصر على جعل الإنسان يتأقلم مع عادات وتقاليد موجودة في المجتمع بل الدور المحوري والأساسي لمناهج التعليم والتربية هي صقل الفكر الإنساني وعاطفته الإجتماعية على نحو يحرك هذا الفكر وتلك العاطفة بإتجاه تجاوز كل العوائق والتحديات التي تحور دون  قيادة المجتمع فكريا وثقافيا وحضاريا نحو أفاق مستقبلية جديدة حديثة تساهم في ارتقاء حياة الإنسان الإجتماعية نحو الأفضل بشكل دائم وثابت وفقا لطبيعة التطور الكونية التي لا تتوقف بتاتاً .

وما قيمة التعليم والتربية إذا لم يكن هدفها الأساسي ملامسة مختلف جوانب الإنسان وتحفيز تحقيق انسانيته و نموّه وتقدمه وتطوّره ،  وما قيمة التعليم والتربية  إذا لم تلعب دورها الوازن الإرشادي و  التوجيهي والثقافي الإشعاعي والتواصلي إنسانيا في حياة الفرد ليصبح عنصرا فاعلا إيجابيا ضمن السياسات والمناهج الإصلاحية والتغييرية  للمجتمع …لذلك تلك المناهج التعليمية والتربوية  التي تلعب دورا محوريا في تكوين الفرد وتشكيله من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية تصبح خطرا داهما وسلاح فتاكا هداما طالما أنه تصبح مصدرا لإنتاج الإنحرافات الأخلاقية غير الإنسانية والتي يمكن رصد وملامسة تداعياتها في هذا الكم من الإجرام والوحشية والبربرية التي يمارسها الكائن البشري العربي في المنطقة العربية بإسم الدين أو الإيديولوجيا أو السلطة والتي جعلت منه كائنا هداما لأي تطور وتقدم حقيقة في هذه المنطقة العربية.

إذا المناهج التربوية والتعليمية أيا يكن مصدرها  تقدس أوتلعن بقدر ما تحقق وظيفتها الأساسية بناء وتكوين انسان حصاري تقدمي يقدس الحرية ويحترم انسانية الإنسان وحقه بالعيش الكريم دون أي تمييز أو ترهيب أو تعنيف بسبب الولاء أو الإنتماء الطائفي او المذهبي أو العرقي.

 وطالما أن الوقائع قد أثبتت بأن المناهج والبرامج التعليمية والتربوية في العالم العربي تخرج كل هذا الكم الهائل من الشباب الضال و المنحرف المشبع بالأفكار الراديكالية والعنصرية المؤمنة بالتمييز و التعنيف والترهيب وصولا لفرض السيطرة والهيمنة والتفوذ في المجتمع فأن تلك المناهج لا بد من الإعتراف بكل جرأءة ودون أي مواربة بأنها مناهج ليس فقط لم تعد تصلح لهذا العصر بل أصبحت تشكل خطر داهم مستمر على مستقبل المنطقة العربية وتطورها وتقدمها وتنتميتها…وطالما أيضاً أن العطب يكمن  بما نتربى عليه من أمراض فكرية وثقافية عصبوية ضيقة الأفاق ومنعزلة عن صيرورة تطور الوعي الإنساني هناك نقطة ارتكاز أساسية تتمحور بضرورة إحدتث ثورة تعليمية تربوية عربية تؤدي إلى تحقيق انقلاب كامل على نظام التعليم والتربية العربي البالي القديم وبناء نظام تعليم وتربية حديث عصري يعيد بناء شخصية الإنسان العربي على اسس الإنفتاح والحوار وثقافة قبول الآخر والتعايش معه ضمن بيئة إجتماعية متعددة متنوعة تحكمها القواعد والأنظمة والقوانين التي تكرس المساواة والعدالة بين جميع أفراد المجتمع دون أي تفريق أو تمييز من أي نوع كان…

ومن دون أدنى شك أن عطب التربية والتعليم في العالم العربي تحول على مر العصور والأزمنة إلى أعطاب في كل مظاهر ومناحي الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية في المجتمع العربي الذي تحول الإنسان فيه إلى عبد مقهور مقموع مسلوب الحرية والإرادة بشتى الوسائل الفكرية والإيديولوجية التي صنعت عاداتها وتقاليدها وفقا لما يتناسب مع توجهاتها القمعية القادرة على تعزيز كل ما من شأنه أن يكبل ويقيد  الإنسان العربي ليبقى سجين الخوف والتخلف .

فالمشكلة الرئيسية عند العرب تكمن في أنهم لم يرتقوا بعد إلى مستوى الحضارة الإنسانية الحديثة المتطورة  بل هم لا يزالون غائبين ضمن غيبيات الحضارات الشرقية القديمة التي عرفتها الإنسانية في مراحل تطورها الاولى وتخطتها تلقائيا ضمن صيرورة التطور الكوني الطبيعي والإنساني والحضاري..

لذلك أن ثورة التغيير والتجديد والتطوير العربية لا يمكن أن تصل إلى أهدافها من دون إحداث ثورة تغيير وتعديل وتطوير حقيقية في جميع مناهج التربية والتعليم العربية…فما تحتاجه الأجيال العربية القادمة هو تقديم مناهج تعليمية وتربوية جديدة…والمطلوب من أجل ذلك نسف كل مناهجنا القائمة من دون أي استثناء لأن الترقيع والتعديل والتجميل لم ينفع بتاتا والمطلوب إعادة بناء مناهج تعليم وتربية تنويرية انسانية تليق بالعروبة وتاريخ الإنسان العربي وتضحياته ومعاناته…

وكي لا نتهم بشيء لا نريده نسارع لنقول بأن بناء المناهج التعليم والتربية الجديدة لا يعني أبدا وبتاتا  التخلي قيد أنملة عن خصوصية الهوية والاصالة  العربية…بل أن إعادة البناء الجديدة من شأنها أن تحافظ على جوهر حقيقة العروبة الإنسانية، وأن تعيد رونق الهوية والأصالة العربية إلى سكة الحضارة الإنسانية التي تنتمي إليها جذور الثقافة والحضارة العربية…وعودة العروبة إلى سكة الحضارة الإنسانية هو أمر مستحيل إذا ما استمر هذا التخلف العربي و بقي سائدا مكرسا  و ثابتا  في علومنا وتربيتنا المنزلية والمدرسية والإجتماعية.

نعم، أن حقيقة الواقع تدفعنا للقول بالفم الملآن،  بأن تلك المناهج التعليمية والتربوية السائدة في مجتمعاتنا أيا يكن مصدرها فإنها  قد جعلت العرب يتخلفون عن ركب مسار التطور الحضاري وجعلتهم قابعون جامدون في قلب الحضارة القديمة التي كانت منطلقا لتطور الإنسان إلا أنها تغيرت وتطورت كما كل شيء في هذا الكون السيار الذي هناك ضرورة وحاجة للعرب أن يعيدو ترتيب أوضاعهم وشؤونهم وفق المسار الذي يجعلهم في قلب الحضارة الإنسانية المتطورة الحديثة شأنهم في ذلك شأن كل الإنسانية التي من حقها الطبيعي أن ترتقي وتطور مع تطور الطبيعة والتاريخ والأنسان والحضارة.

و كي تتمكن حركة الشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة في تحقيق انتصارها المدوي عليها أن لا تستكين ولا تتوقف عن خوض غمار ثورة التغيير والتطوير والتحديث ضد الأنظمة المستبدة والإرهاب الظلامي والتدخل الأجنبي الإنتقائي العبثي الذي غالبا ما يموه أطماع استراتيجياته ومصالحه السياسية والإقتصادية بشعارات براقة فاقعة تخفي ورائها الرؤية الإستعمارية التي لم تتغير أو تتبدل، والتي لا تزال تنظر إلى قضايا منطقتنا العربية وتتعاطى مع شؤونها وشجونها من منظار تحكمه قواعد ونظم  تحقيق المصالح التي تملي على الدول الأجنبية في أحيانا كثيرة أن تتحرك لتقديم الحماية والدعم هنا أو توجيه الضربات هناك وذلك ضمن معادلة الإزدواجية والتناقض وتبادل الأدوار والفوائد ومن دون الإلتفات إلى أي اعتبارات انسانية أو حقوقية لأبناء هذه المنطقة التي لا يزال العالم يتجاهل حقها الطبيعي في تقرير مصيرها و في وضع حد لأزماتها العاصفة التي في قسم كبير منها سببه التخاذل والتواطوء الدولي الذي يغذي الصراعات ويطلق العنان للتهديدات الإرهابية التكفيرية كي يشرعن مجددا تدخله وهيمنته من دون اي رادع أو اعتراض فعلي من داخل الدول العربية…وذلك على النحو الذي حصل في صيف وخريف العام 2014،حيث أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وضع الشعوب العربية، تحت طأة تمدد وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” على مساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية والتي وصلت إلى حد تهديد بغداد بالسقوط واجتياح مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراقي بين خيارين: أما القبول بسطوة ارهاب وتنكيل وقمع و فظائع التنظيمات الإرهابية التي صنعتها ومولتها وغذتها وسلحتها أجهزة أمن واستخبارات إقليمية ودولية أو القبول بالمساعدة الخارجية المشروطة والمقيدة ضمن مسار لعبة الأمم الجهنمية التي لا يعلم أهدافها الحقيقية المشبوهة إلا صناع القرار القابعين في غرف التخطيط السوداء التي تتحكم بمسار الصراعات والحروب في منطقتنا في الإتجاه الذي يضعف بلداننا وشعوبنا ويزيد قوة وهيمنة وسطوة الدول الكبرى في منطقتنا والعالم.

اقرأ أيضاً بقلم هشام يحيى

لهذه الأسباب لن ينالوا من وليد جنبلاط وحزبه وجبله!

الوفاء لقضية الشهداء…

قاتل الأطفال هو نفسه في غزة وحلب!

قناة التشبيح والأشباح!

ظاهرة التعنيف من أسباب تخلف مجتمعاتنا!

لبنان والمحاسبة السياسية

هل هو نبش للقبور أم تزوير للتاريخ؟

ميشال سماحة والمصير البائد

لبنان وقدر لعبة الأمم

ليس دفاعا بل انصافا للحقيقة ولوليد جنبلاط

6 كانون ثورة متجددة في عالم الإنسان

#الحراك_والاستقلال

ميثاقية أم غوغائية انتحارية؟!

#طفلة_الصحافة_المدللة

التدخل الروسي: آخر أيام الطاغية

#بدو_كرسي_لو_عمكب

ماذا يعني أن تكون “معروفيا” عربيا؟

معركة القلمون و”شيعة السفارة”

النخبة الممانعة وخطايا النظريات القاتلة..!

” توترات السيد”..!