اعلان بعبدا ضمانة لبنان درءاً للمخاطر

فيصل مرعي

ان ما يجري الآن، من احداث وفوضى على الساحة العربية، يُوحي وكأن هنالك المزيد من الاضطرابات، وكأن هنالك كذلك مالم يظهر بعد للعلن، قد يكون اشد خطر مما هو جار حالياً. خطر لا يزال طي الكتمان، وفي غياهب المجهول. إلا ان ملامح هذا الخطر بدأت ملامحه تلوح في الأفق، لا سيما وان حلولاً جذرية لم تتوفر بعد في المدى المنظور، وأن توافقاً سياسياً، يُرسي قواعد حل سياسي يحدّ من التشنجات والتجاذبات لم يؤتِ ثماره حتى اللحظة. هذه الاحداث قد تطول وتطول الى ما لا نهاية – لا سمح الله- في ظل غياب هذا التوافق السياسي، ليس في لبنان فحسب، بل في معظم الدول العربية، خاصة منها الانظمة الظلامية التي كانت وما زالت تُمعن في قهر وإذلال شعوبها، وطمس ما تتمتع به هذه الشعوب من افكار منفتحة ومعتدلة، ناهيك عن ابسط مقوّمات العيش الكريم، مضافاً الى ذلك القضايا الاساس، كالحرية، والديمقراطية الصحيحة. وأغلب الظن ان هذه الشعوب لم تكن لتنتفض لو ان هنالك احتراماً لحقوقها الشرعية، وبالأخص منها المدنية. واذا كان هذا الكلام ينسحب على مجمل الدول العربية السوداوية التي لم تُبق من انواع الظلم، اجتماعياً وسياسياً، واقتصادياً.. الا ومارسته على شعوبها، متناسية انه سيأتي يوم ستنقلب فيه الامور رأساً على عقب، وأنه لن يبقى طاغية في برجه العاجي متشبثاً بكرسيِّه، ضارباً بعرض الحائط مقوّمات الوطن ومكوناته، فإنه بالمقابل ينسحب هذا الكلام على لبنان.

فصحيح ان الوطن العربي يعني لنا الكثير الكثير، باعتبار ان ما يجري في اي بلد عربي من اضطرابات وحروب له انعكاساته السلبية على الوطن العربي برمته، وعلى لبنان بالذات، خاصة وان هنالك ارتباطاً عضوياً بين جميع ارجاء العالم العربي، سيما وانه ما ان يتفكك عضو سرعان ما يتفكك الآخر. ولكن ما يهمّنا اكثر فأكثر هو وطننا لبنان، الذي ما زال يُعاني الشغور مدة ثمانية اشهر ونيّف. شغور جعل لبنان جسداً بلا رأس، وعنواناً بلا مضمون، تاركينه لمصيره ادراج الرياح. ففيما بلاد العرب من محيطها الى خليجها على قاب قوسين او أدنى من التفتّت والضياع. وفيما الغرب يعمل جاهداً على استنساخ ما يُشبه اتفاق سايكس –بيكو جديد، راح البعض دروْا او لم يدروا في التمهيد له، من خلال الإمعان في ترسيخ الفراغ، واحلاله محل الرئاسة، قولاً وفعلاً، مستهوين السلطة، رافضين قيامة دولة، وسلام شامل ودائم.

فالانجازت التي تحققت لن تحميها الا الدولة، لا سيما منها الانجاز الاكبر عام 2006، وفي حال الدوران في فلك الفراغ، فانه يُخشى ان تصبح هذه الانجازات في مهب الريح، وللحظة عابرة على حساب بقاء الوطن واستمراريته. فالدولة هي المرجعية الاولى والاخيرة. والدستور بما يتضمن من قوانين هو الحامي والراعي للشعب، والجيش هو صمام الامان، يوم تدُّق الساعة، ساعة تعرض الوطن للخطر. فمن العجيب الغريب، ان نتجاهل عدم انتخاب رئيس صيانة للبلاد والعباد، ولا نتنادى للتلاقي تلافياً لِمَا هو آت، ولِما يُحاك ويُخطط لهذا البلد الأمين. ألا يكفي هذا البلد ما عاناه من مشاريع كادت تذهب به الى غير رجعة؟ ان الدولة حاضنة للجميع، ولا بديل عنها، وهي اكثر ثباتاً من “الكانتونات والفيتوات”. و

هي الضامنة للشعب وللمصير، وفي اولى اولويات الحياة السياسية. فلا شرعية تفوق شرعية الدستور، مهما علا شأن غيرها. إن اعتلاء السلطة ومن ثمّ التنازل عنها في الوقت المحدد، افضل انواع الديمقراطيات. والاستمرار في الفراغ تمسكاً بالامتيازات هو أسوأ انواع الديمقراطية. فالدستور هو المكوّن الاساسي للدولة، بل هو هذا الكم من مقومات الوطن، في طياته ومضامينه يكمن الحوار يوم تكون هناك مسائل خلافية. فهو الذي اوقف الحرب، وعزز الوحدة الوطنية، وثبت السلم الأهلي، وابعد الوطن عن المحن والفتن، وحال دون تقاسم الحصص والمغانم، فكان ان كفى واغنى. نحن الآن في ظل الفراغ، والفراغ غير مُستحّب. وفي حال ديمومته، يعني اننا سائرون باتجاه الغائه. وفي هكذا حال، لا يمكن صنعه من جديد، لا سيما لجهة لبنان الصيغة والفرادة. وفي هذا السياق، نعود لنؤكد : بأن ما بُنى من مداميك، ومن بُنى فوقية بعد اتفاق الطائف، جاءت تتويجاً لبناء عقد اجتماعي جديد، ولبنان جديد.

في هذا المضمار، يحضرنا إعلان “بعبدا”، اعلان هو والميثاق الوطني صنوان لا يفترقان، لا بل يقع في اعماق اعماق وثيقة الوفاق الوطني. فالطائف هو في اساس اعادة اللحمة والمساكنة بين اللبنانيين، وفي اساس حمايته من كل مكروه وشر مستطير. اتفاق لا يُمحى، ولا يزول، بزوال وزير، او حكومة، او حلّ مجلس نيابي. في كل الاحوال، هنالك خيمة دولية على لبنان، حريصة كل الحرص على وجوده وحضوره. فما من احد بمقدوره اعادة البلد الى الوراء. واذا حصل ذلك، فمن هو المستفيد؟ ان عدم العمل بمضون اعلان بعبدا، نضعه في خانة ابقاء الوطن في دائرة الفراغ، وفي دائرة الخطر. ان اشاحة النظر عنه، يعني اغراق البلد في آتون صراعات جديدة ، لن تكون في مصلحة احد. وباختصار، رفض اعلان بعبدا، رفض لسياسة الحياد الايجابية والنأي بالنفس. ولو التزمنا به لَمَا وصلنا الى ما وصلنا اليه من فراغ، واستشهاد من استشهد من مدنيين وجنود اضحوا اوسمة في صدور اللبنانيين كل اللبنانيين. إعلان بعبدا ضرورة لبنانية، بل ضرورة وطنية. فلنتحد قبل ان ننكسر، فينكسر لبنان!

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…