سقط مشروع “الإمارة” في طرابلس

كشفت صحيفة “النهار” أن ما شهدته طرابلس في الساعات الست والثلاثين الاخيرة كان بمثابة المعمودية الاشد خطورة التي خاضها الجيش ومن ورائه ابناء المدينة وفعالياتها وكذلك المناطق الاخرى التي تمددت اليها أصابع مخطط إشعال الشمال لأستهداف الجيش واشغاله عن جبهات المواجهة مع التنظيمات الارهابية على الحدود الشرقية بعدما أقفلت على الارهابيين هناك مسالك الاختراقات فأنبرت خلاياهم المزروعة في طرابلس وبعض عكار عقب الضربة القاسية التي تلقتها في عاصون الى الهجوم انطلاقا من عاصمة الشمال .

ولم يكن أدل على الخطورة القصوى التي اكتسبها المخطط الجديد من ظهور مجموعات المسلحين في مكامن مسلحة متفرقة لوحدات الجيش ورصد تحركات بعيدة عن ساحة الاشتباكات والقتال في طرابلس في المحمرة في عكار بغية تشتيت قوى الجيش ومحاولة خطف أو قتل أكبر عدد من أفراده .

وبرز وجه المخطط بأبشع وأفصح ما يمكن تجسيده ولكن النتائج العملانية والميدانية والسياسية أفضت الى مجموعة حقائق هنا خلاصة لأبرزها :

أولاً : تبين وفق معلومات مؤكدة حصلت عليها ” النهار ” ان مجموعة شادي المولوي وأسامة منصور اللذين كانا تواريا قبل نحو عشرة ايام بمسمى وساطة آنذاك كانت نواة إشعال الاشتباكات والاعتداءات على الجيش مساء الجمعة في عملية تمويه اختفى معها المطلوبان المرتبطان بجبهة النصرة وداعش فيما كان يجري الاعداد لمخطط التفجير حين تأتي الاشارة من خارج الحدود او من داخلها .

ولم يقتصر الامر على هذه المجموعة بل تبين ان ثمة لاعبا اضافيا زج به في هذا المخطط وهو احد رجال الدين المتطرفين الذي راح يعلي صوت ما سماه ” بالثورة السنية ” في الفترة الاخيرة وتحديدا في خطبة الجمعة الاخيرة .

ورصدت مجموعة مسلحة لرجل الدين هذا كانت تنسق هجماتها على سيارات تنقل عسكريين وفشلت في خطفهم وقت كانت مجموعات المسلحين تشاغل الجيش في الاسواق القديمة والزاهرية وتتعمد الانتشار في منطقة عريقة بتراثها القديم في المدينة لتعيث فيها تخريبا ودمارا .

وحرص الجيش على التعامل بنيران الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ما امكن في مطاردته للمسلحين وتعقبهم تجنبا لأحداث دمار واسع كان من بين أهداف الارهابيين تحميل تبعته للجيش .

ثانياً: قوض الجيش المؤامرة مرة جديدة بإثباته المضي دون اي هوادة في عمليات نوعية وجراحة عسكرية مكلفة تشهد عليها شهادات اضافية لشهدائه من الضباط والعسكريين في ضريبة الدم ولكن ايضا القرار العسكري والسياسي الرسمي الملازمين للمواجهة مهما طال الزمن ومهما كلفت من تضحيات . تمكن الجيش من فرض طوق عسكري على مناطق الاشتباكات في طرابلس ومنع تمددها الى الأحياء الاخرى من طرابلس كما تمكن من دفع المسلحين الى الانسحاب من الاسواق والزاهرية وتوقيف عدد كبير منهم واصطياد رأس كبير اخر من قادتهم لا تقل خطورته عن خطورة احمد سليم ميقاتي وهو الإرهابي المطلوب ربيع الشامي في محلة دفتردار . استشهد للجيش شهيدان في المحمرة وشهيد في المنية وارتفع عدد الجرحى بين العسكريين الى اكثر من عشرة فيما بدا من الصعوبة حصر عدد القتلى والجرحى في صفوف المسلحين لكن ثمة معلومات تشير الى انهم تكبدوا خسائر كبيرة وتمكن الجيش من توقيف مجموعات منهم .

ولعل اهم ما أبرزته الوقائع العسكرية ان الجيش بدا في حالة تعبئة وجمهوزية عالية تمثلت الى صلابته في تعقب مجموعات مدربة ومحترفة في نصب الكمائن والانتشار بين الأحياء في إحباطه محاولات عدة لهؤلاء لخطف عسكريين في مناطق مختلفة قريبة من مناطق الاشتباكات وبعيدة عنها في ان واحد.

كما برز استخدام سلاح الطوافات العسكرية في عمليات رصد انتشار المسلحين وتعقبهم ومن ثم تطور الامر مساء امس الى اطلاق صواريخ من طوافات عسكرية عند الطرف الشمالي للمنية في اتجاه منطقة على الطريق الساحلية القديمة تحصن فيها مسلحون .

ثالثا: اكتسب الموقف السياسي لفعاليات طرابلس وقواها وزعمائها كذلك التحركات الشعبية الداعمة للجيش في عكار وطرابلس وكذلك المواقف المعلنة لسائر القوى السياسية الاخرى بعداً شديد الاهمية من خلال الاصطفاف والدعم المطلق للجيش في عملياته وإطلاق يده في كل انواع العمليات التي سيمضي فيها في هذه المواجهة بما اسقط اي غطاء مزعوم او واقعي ، مضخم او حقيقي للمسلحين ونزع اي ذريعة من اي جهة من شانها ان تعيق اندفاع الجيش نحو حسم عسكري محتوم متدرج وفق ما تفرضه طبيعة المواجهة التي ربما تشهد فصولا متعاقبة يصعب من الان التكهن بمداها الزمني .

ذلك ان ما حكي عن هدنة لا يبدو واردا في حسابات الجيش ولا ايضا في حسابات الحكومة مع جسامة الأهداف التي أبزرتها الهجمة الارهابية على الجيش وعلى ابناء طرابلس والشمال الذين يراد لهم ان يضحوا أسرى التنظيمات الأصولية الارهابية لإعلان إمارة سقط مشروعها مجددا امس ولكن من دون ان يعني ذلك سقوط محاولات استرهان المناطق التي كانت مسرحا لها .