وزير الداخلية والصحوات والطرقات وسجن رومية

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

لا يبدو ان وزير الداخلية نهاد المشنوق بصدد افتعال مشكلة سياسية كبيرة من خلال خطابه المُتميِّز الذي القاه في احتفال الذكرى السنوية لإستشهاد اللواء وسام الحسن، الرئيس السابق لفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي. ويبدو ان المشنوق كان يُدرك ان الاجواء تسمح بتمرير الرسائل التي تضمَّنها الخطاب، من دون ان تُسبِّب ازمة على المستوى الحكومي، ولا على مستوى العلاقات مع حزب الله، ذلك ان تماسك الحد الادنى في الحكومة مُقاربة الزامية، ليس لها بديل عند الجميع، امام ضغوطات توازن الرُعب في الحرب الاهلية الباردة التي تعيشها البلاد. وحزب الله لن يذهب بعيداً في الرد على المشنوق، لأنه لا يريد الاطاحة بإستقرار الحد الادنى الذي يؤمنه التعايش الالزامي في الحكومة، لأن البديل عن هذا التعايُش فوضى غير محسوبة النتائج.

وخطاب المشنوق لم يكُن موجَّها لحزب الله فقط، بل كان جزءا اساسيا منه لإرضاء القسم الاكبر من الشارع السني المُمتعِض من اقتصار تطبيق الخطة الامنية في مناطق تواجدهِ، وتوقُّف تطبيقها في مناطق نفوذ حزب الله، خصوصاً في البقاع الشمالي، حيث يتحرَّك المهربون والخاطفون وتجار المُخدرات بشيء من الحرية.

امَّا استذكار الصحوات العراقية في معرض سرد المشنوق لشكواه، فقد كان: من جهة صرخةً تُعبِر عن خلفيات موقف تيار المُستقبل الذي يُمثله المشنوق، والذي يعتبر نفسه تفانى في الدفاع عن الجيش ويستهلك من رصيده في مهادنته لحزب الله، ومن جهة ثانية كان هذا الاستذكار؛ رسالة مُتشدِّدة من حلفاء المشنوق الاقليميين، بأنهم لن يُكرروا تجربة العراق في لبنان بدعم الشرعية، بينما يعمل الطرف الآخر على دعم وتقوية جماعته، للإنقضاض على مؤسسات الدولة، لاسيما ان التجربة اليمنية حاضرة في المشهد.

للمشنوق نقاط تعترف بأحقيتها أغلبية القوى السياسية، خصوصاً انه كان من اول المُبادرين للتعاون مع حزب الله في سياق عمله الامني. ولكن على المشنوق نقاط ليست في مصلحته،  منها انه تحدث بإسم فئة سياسية في احتفال رسمي وانتقد فئة سياسية أُخرى، كما غمز من قناة جهاز أمني، وهو في الوقت نفسه وزير داخلية لكل لبنان. والاخفاقات والاشكالات التي اثارها المشنوق هامة، وتُعبِرُ عن مأزق سياسي لا بُدَّ من مُعالجتهِ، إلاَّ ان جوانب الخلل التي تواجهها وزارة الداخلية مُتعددة، ومُتشعبة، ولا ندري اذا كان عدم مُعالجتها ناتجٌ عن موانع سياسية، ام ناتِجٌ عن تقصير عند اجهزة الوزارة.

المواطنون اللبنانيون يضيقون ذرعاً من مجموعة من المخالفات التي تُرهق اعصابهم، وتستنزف وقتهم، وتعوِّق مصالحهم، وتُلقي بظلالها القاتمة على حياتهم اليومية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن ادراج بعض التجاوزات التي يشتكي منها المواطنون، وتتحمل وزارة الداخلية مسؤوليتها، او على الاقل مسؤولية عدم فضح من يُغطي مُرتكبيها:

فالذي يدخل الى بيروت من الجهة الجنوبية يمكثُ وقتاً طويلاً في سيارته، لأن مدخل  طريق الاوزاعي الذي يتسِع لثلاثة خطوط، تحوَّل على خطٍ واحد، وتوقفت في الخطين الآخرين سيارات مُعطلة، وبسطات لبيع بعض الخُضار، يمكن لها ببساطة ان تتوقف في مكانٍ آخر، كي لا نقطع برزقة بعض البائعين، وهؤلاء كما قال لنا مسؤول محلي، ليسوا من ابناء المنطقة، ومُعظمهم غير لُبنانيين.

والذي يسلُك طريق صيدا القديمة عبر الشويفات، يُلاحظ غابة من الاكشاك ( محلات البيع الصغيرة) والبسطات على جانبي الطريق تُرهق السير. فإذا كانت تحمل ترخيص مُصيبة، لأنها ببساطة يمكن ان توضع بأماكن أُخرى اذا ما كان اصحابها من المحتاجين، واذا كانت من دون ترخيص فمُصيبةٌ اكبر، لأنها تُدلُّ على عشوائية غير مقبولة، وتؤثر على الانتظام العام في الدولة.

ومن الامثِلة التي لا تُحصى على التجاوزات التي يُمكن مُعالجتها، موضوع قطع الطرقات، للإحتجاج على أبسط القضايا، أو للمُطالبة بحقٍ مهدور، او لإقامة نشاطات صغيرة تؤدي الى اضرارٍ كبيرة. فنهار الاحد الماضي فُوجىءَ المارة على كورنيش المزرعة بإتجاه المتحف وسط بيروت، بإنسداد السير، ومئات السيارات، بل ربما الآف السيارات متوقفة وفي داخلها مواطنون، والسبب كان اقامة احتفال غنائي لأحد التنظيمات وسط الطريق، جانب سباق الخيل، لا يصِل عدد الحاضرين فيه إلى 50 شخصاً، بينما المُحتجزون في سياراتهم يُعدُّون بالآلاف.

تلك نماذج عن تجاوزات، واخفاقات، لايمكن لوزارة الداخلية تجاهُلها. واذا كان هناك مَن يقف خلف هذه الارتكابات من القوى السياسية، يجب كشفهُ. اما اذا كانت هذه التجاوزات بفعل الاهمال او التقصير، فتلك مسؤولية على وزارة الداخلية لا يُمكن للوزير المشنوق تجاهُلها.

إن الاهمال في مُعالجة الارتكابات يؤدي الى تفاقُم المُشكلة. ذلك ما حصل في سجن رومية، واصبحت قضية السجن من حيث تمرٌّد بعض المسجونيين مُعضلة تواجه وزير الداخلية، بصرف النظر عن الموافقة، او الاعتراض على تصريح وزير المالية علي حسن خليل حول الأمر، والذي قد يكون في سياق المُناكفة السياسية مع وزير الداخلية، أكثر مما هو حرص على القانون والنظام.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية