ابو فاعور:مليارات ذهبت هدرا إلى غير مستحقيها من 2008 وسنستعيدها

عقد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور مؤتمرًا صحافيًا أعلن فيه سلسلة من القرارات المتعلقة بمستشفيات الفئة الثانية والتي ذهبت فيها مليارات هدرًا إلى غير مستحقيها من العام 2008 وحتى اليوم. وأكد أن الوزارة ستستعيد هذه الأموال، إضافة إلى توقيف كل العقود مع جميع المؤسسات الخاضعة للتحقيق حتى صدور نتائج التحقيقات في النيابة العامة المالية.

حضر المؤتمر الصحافي المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار، مدير العناية الطبية الدكتور جوزف حلو وأعضاء لجنة التحقيق المكلفين من وزارة الصحة التحقيق مع مستشفيات الفئة الثانية.
إستهل أبو فاعور الكلام بالقول إنه في سياق السياسة الإصلاحية التي يتم اعتمادها من قبل الحزب التقدمي الإشتراكي في الوزارات التي يستلمها الحزب، يتم تنفيذ إجراءات متعددة في وزارة الصحة بدءًا من إعادة النظر بأسس تسعير الدواء، وإقرار نظام ممكنن وحديث لمراقبة فواتير المستشفيات، إلى اعتماد معايير جديدة لتصنيف المستشفيات أعطيت فيها الأفضلية لمعاملة المرضى وذلك سعيًا إلى التخفيف من التجاوزات التي تحصل، وبهدف محاربة الفساد حفظًا للمال العام وحماية لصحة المواطن وكرامته. وأكد أن الهدف الأبعد يكمن في التوصل إلى تخفيف فاتورة الإستشفاء وتصويبها بحيث تذهب الأموال إلى مستحقيها من المواطنين.
وذكّر بأن وزارة الصحة توقع عقودًا مع مؤسسات إستشفائية من الفئة الأولى تبلغ 420 مليار ليرة لبنانية سنويا، كما تبلغ عقود مستشفيات الفئة الثانية 43 مليار ليرة لبنانية سنويا وهي التي تهتم بالإقامة الطويلة للمرضى، وحالات الغيبوبة والعلاج الفيزيائي والسمع والنطق.
أضاف أنه نتيجة تحقيق قام به فريق مكلف من قبل وزارة الصحة على مدى شهرين بمتابعة من الدكتور وليد عمار، تم التدقيق في عدد من ملفات مستشفيات الفئة الثانية، كما حصلت لقاءات مع ممثلين للمؤسسات المعنية، مما أظهر مخالفات “يندى لها الجبين وتشيب لها النواصي في كيفية التعامل مع المال العام والإستخفاف بالمريض اللبناني”.
وقسّم وزير الصحة العامة المخالفات إلى بسيطة ومتوسطة وجسيمة، موضحًا أن المخالفات البسيطة كناية عن تقاضي مبالغ إضافية من المرضى نتيجة التعرفة المتدنية التي تدفعها الوزارة وتبلغ 26 ألف ليرة لبنانية. ويقتضي لفت نظر المؤسسات إلى هذه المخالفة التي سنسعى بدورنا إلى إيجاد حل لها بحيث تبلغ التعرفة يوميًا للمريض المقيم الذي لا يحتاج إلى استشفاء 56 ألف ليرة لبنانية، و64 ألف ليرة لبنانية للذي يحتاج إلى استشفاء.
أما المخالفات المتوسطة والجسيمة فهي متعددة جدا، وقد عدّد الوزير أبو فاعور سيلا من الأمثلة عنها:
في إحدى المؤسسات، ولدى تدقيق لجنة وزارة الصحة من وجود جميع المرضى بحسب الجداول المقدمة للوزارة، تبين عدم وجود أكثر من عشرة مرضى من ذوي العاملين في المصح، ولا يقيمون في الغرف بل هم يأتون لتلقي العلاج ويخرجون.
إن الحالة العامة لمؤسسة أخرى سيئة جدا بحيث إن المرضى هم مجرد أرقام بالنسبة إلى الإدارة، لدرجة أن هناك مرضى موجودين لا يعلم القيمون على المصح بوجودهم. كما أن الوضع العام للمركز هو وضع مزر، حيث إن  غرف المنامة عبارة عن باحة وكل الأسرّة الموجودة فيها تجاور الحمامات، ولديها منفذ واحد على ملعب محاط بالأسياج كالسجن. وتجلس المريضات على الأرض حافيات بثياب قديمة متسخة، وتشرف على الجميع ممرضة مساعدة واحدة. فهذا المأوى لا يصح للبشر من حيث الطبابة والغذاء والرعاية الصحية والنظافة. وقد وصف بعض المرضى حالتهم بالدواجن لكثرة أكلهم البرغل. وفي الوضع المالي تبين وجود مخالفات تشتمل على ورود أسماء كثيرة موجودة في الجداول المقدمة وغير موجودة في المصح المذكور.
في قسم الغيبوبة في مصح آخر، تم اكتشاف أنه يحتوي على أربعة أسرّة رغم أن الجدول المقدم للوزارة يتضمن 11 مريضًا من بينهم خمسة خارج السقف المالي. كما أن البطاقات لا تزال تصدر بأسماء مرضى توفوا منذ سنين، على أنهم لا يزالون في غيبوبة ويخضعون لعلاج فيزيائي، علمًا أن هناك أسماء لمرضى لم يدخلوا بتاتا إلى هذا المصح. وقد تم التأكد من هؤلاء المرضى من خلال الإتصال بهم. كما أن بعض الأسماء الموجودة على القسم الإداري للمستشفى هي نفسها موجودة على جداول مقدمة من مؤسسة أخرى.
لم يوافق مدير إحدى المؤسسات وهو متقاعد برتبة عالية على دخول لجنة التدقيق التابعة لوزارة الصحة إلى المؤسسة المعني بها. إن قراره يشير إلى أن لديه ما يخفيه، علمًا أن وزارة الصحة هي التي تدفع المال لمؤسسته مما يتيح لها الإستمرارية حتى الآن.
تبين أنه تم إصدار ست بطاقات لتغطية مرضى غيبوبة بتاريخ 1/7/2014 إنما لم تعثر لجنة التدقيق على أي مريض عندما دخلت إلى المستشفى في الشهر التالي. وهناك حالات مماثلة تظهر الحجم الكبير للتحايل الحاصل.
تم إدراج مريض على فئة المزمن وضمن الشلل القابل للتأهيل لمدة ثلاثين يومًا، علمًا أن الطبيب المسؤول أجاب أن من المستحيل أن يخضع المريض لجلسات تأهيل لمدة ثلاثين يومًا في الشهر، بل من الممكن إخضاعه لهكذا جلسات لمرتين أو ثلاث أسبوعيًا. مع الإشارة إلى أن المركز كان معطلا في شهر حزيران الماضي، ما يعني أن وزارة الصحة كانت تتكبد النفقات والمركز متوقف عن العمل.
يتم تسخير مرضى للقيام بأعمال نظافة كون عدد العمال الموجودين غير كاف، إذ يتم استغلال الشخص بإجباره على العمل واستغلال إسمه لقبض المال على حسابه.
إن جميع المرضى في إحدى المؤسسات عن فئة الكوما هم مرضى وهميون. يلجأ المركز المذكور إلى تعبئة الأسماء فقط. حيث إن إحدى المريضات كلفت الوزارة 56 مليون ليرة في خلال ستة أشهر وهي متوفاة. كما أن مريضة مسجلة على أساس أنها تعالج من الشلل القابل للتأهيل والكوما وكبّدت الوزارة 58 مليونًا وهي متوفاة من العام 2008. كما أن سيدة أخرى مسجلة في ثلاث مؤسسات على أنها تخضع لعلاجات متعددة وهي متوفاة من العام 2011، وثمة الكثير من الحالات المشابهة!
هناك طبيب مراقب معين من قبل وزارة الصحة في أحد المؤسسات وموظف في الوقت نفسه في هذه المؤسسة. فكيف يمكن لهذا الطبيب أن يراقب نفسه؟
القرارات
وأكد أبو فاعور أنه لن نقبل بالتجرؤ على الدولة والمواطنين. وقال إنه في المخالفات البسيطة المتعلقة بزيادة التعرفة المتدنية اصلا سيتم توجيه كتب لفت نظر للمؤسسات المعنية، على أمل التوصل إلى زيادة التعرفة وتصحيح الأوضاع. وفي المخالفات المتوسطة سيتم توجيه إنذارات للمؤسسات المعنية وإعطائها مهلة زمنية قصيرة لتصحيح أوضاعها وإلا فسيتم اتخاذ إجراءات قانونية بحقها وإلغاء العقد وإحالتها على القضاء. أضاف أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال التسامح مع المخالفات الجسيمة، ولا يمكن أن تقبل وزارة الصحة بالتساهل في هذه الأمور على الإطلاق، لأن حماية المال العام ووقف الفساد بمثابة قدس الأقداس وخط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وكشف عن إلغاء العقود مع مؤسسات ستخضع للتحقيق مع إمكان سحب الترخيص المعطى لها، كما ستتم إحالة الأطباء المراقبين وهم ثلاثة إلى النيابة العامة المالية، وإلغاء العقود معهم. وقال إنه وقّع قرار إحالة هؤلاء على النيابة العامة، وهذه رسالة واضحة لكل الأطباء المراقبين غير الملتزمين بتطبيق القوانين. وأكد أنه مستمر في تنقية الأطباء المراقبين وقد وصل عدد المحالين على القضاء 13 طبيبا مراقبا، وذلك حتى لو لم يبق في الوزارة أطباء مراقبون، مشيرا إلى عزمه الطلب من مجلس الوزراء السماح بإعادة التعاقد مع أطباء مراقبين جدد ومفتشين على هؤلاء المراقبين.
كما ستتم إحالة الأطباء المسؤولين عن الفواتير والإدارة والذين تتعاقد معهم المؤسسات الخاضعة للتحقيق، على النيابة العامة المالية وعدم السماح لهم بأي عمل أو تعاقد مع وزارة الصحة إلى أن تظهر نتائج التحقيق.
في الوقت نفسه، على المؤسسات التي أخذت أموالا من الدولة وصرفتها في غير مكانها أن تعيد هذه الأموال، ويحق لوزارة الصحة ذلك قانونًا. وقال إن على إحدى المؤسسات أن تعيد 624 مليون و153 ألف ليرة لبنانية. فيما على مؤسسة أخرى أن تعيد 77 مليون و939 ألف ليرة لبنانية، وثالثة 834 مليون و516 ألف، ما يشكل في المجموع أكثر من مليار ونصف مليار ليرة لبنانية. وليأخذ التحقيق مجراه، كما أضاف وزير الصحة الذي أشار كذلك إلى تخفيض عقود المؤسسات إلى الحد الملتزمة به عمليًا، أي إلى الحجم الفعلي للمرضى الذين تستقبلهم، على أن يحال الملف برمته على التفتيش العام الصحي. ووعد أبو فاعور بآلية تدقيق جديدة لمستشفيات الفئة الثانية قد بدأ العمل عليها وسيتم الإعلان عنها في حينه.
وختم ابو فاعور هناك مليارات ذهبت هدراً إلى غير مستحقّيها من عام 2008 حتى اليوم في عدد من مستشفيات الفئة الثانية وسنستعيد هذه الأموال، وتم ايقاف كل العقود مع جميع المؤسسات الخاضعة للتحقيق حتى صدور نتائج التحقيقات في النيابة العامة المالية