دولة “داعش” والقانون الدولي العام

د. ناصر زيدان

بتاريخ 10/ 8/ 2014 اعلن ابومحمد العدناني، المُتحدث بأسم الدولة الاسلامية في العراق والشام، المعروفة بـ “داعش” تغيير اسم الدولة، بحيث تُصبح “الدولة الاسلامية “فقط. واعلن حرفياً: “ان هذه الدولة التي تبسُط نفوذها وسلطاتها وتضرب بظلالها من حلب الى ديالا، وباتت تحتها اسوار الطواغيت مُهدمة وراياتهم مُنكسة وحدودهم مُحطمة، وجنودهم ما بين مقتولة ومأسورة ومُشرذمة، والمُسلمون أعزَّة والكفار أذلَّة” وتابع العدناني ان  ابراهيم السمرَّائي (البغدادي) هو رئيس دولة ” الخلافة “. واستند فيما اعلن الى قرار ” مجلس الشورى الاسلامي ” من دون ان يُحدد ماذا يعني هذا المجلس، وممن يتألف.

اتفاقية فيينا للعام 1978 حددت شروط انشاء الدولة، ومسؤولياتها، سواء كانت مُنبثقة عن اتفاق انفصال عن دولة أُم، ام كانت اتفاق بضمّ مجموعة من الدول، او الاقاليم بدولة واحدة، ام كانت قد تحررت من وصاية اجنبية، او من احتلال. ومسؤولية هذه الدولة ان تتحمَّل تبعات دولة السيادة السابقة، لا سيما اتفاقاتها الدولية، وما عليها من ديونٍ او التزامات. ومُعاهدة فيينا للعام 1962، قالت: لا يمكن الاعتراف بدولة جديدة، إلا اذا اعترفت هذه الدولة بالمبادىء الاساسية للقانون الدولي العام، وبعد ان تُعلِن عن مسؤوليتها عن تبِعات الدولة الام، خصوصاً تحمُّل الالتزامات الدولية للدولة السابقة ضمن الاقليم الذي حُدِدت عليه اراضي الدولة الجديدة. وبطبيعة الحال، كل هذه الشروط لا تنطبق على داعش، وتجاوزاتها.

 الاعمال التي قام بها افراد ” الدولة الاسلامية في العراق والشام ” اثارت استنكار واسع من المُجتمع العربي والدولي بمُجمله. والارتكابات التي حصلت بحق عسكريين ومدنيين ونساء واطفال عراقيين وسوريين، وبحق المسيحيين والايزيديين، ضد اشخاص من جنسيات اجنبية أُخرى، فاقمت النقمة العارمة على افراد داعش، وعلى القيمين عليها. كما ان التعليمات التي صدرت عن المراجع في هذه ” الدولة الهجينة ” والتي طُبقت بمثابة القوانيين في المُدن والبلدات التي تُسيطر عليها، لها تبعاتها الجنائية على الاشخاص الذين اصدروها، وفقاً لما ينصُ عليه القانون الدولي العام، لا سيما منه القانون الدولي الانساني، واتفاقية روما للعام 1998 التي أًنشأت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية.

ما هي التبِعات الجنائية الدولية لممارسات ” داعش ” وكيف تتعارض عملية انشائها، واعمال النافذين فيها مع القوانيين الدولية المرعية الإجراء؟

اولاً: لا يمكن تأسيس دولة بمعزل عن منظومة القوانين الدولية.

على عكس ما يظن البعض، فإن امكانية استمرار ما يسمى ” الدولة الاسلامية ” في العراق والشام معدومة، من حيث السياق القانوني، وفي واقع الحال ايضاً. ذلك ان الحياة السياسية العصرية، ترفض قبول ظواهر نافرة، لا تتماشى مع الانتظام الدولي العام. فمُندرجات الواجبات، او الحقوق للدول، تفرض الالتزام بالمُعاملات القانونية ذات المشروعية – اي الصادرة عن سلطات مُعترف بها – وهذا لا ينطبق على ” داعش اطلاقا “، وبالتالي فإنَّ التغريد المؤقت خارج الصرب الدولي، لا يمكن ان يَعيشَ طويلاً، وهو خارج الزمان والمكان. فالاقتصاد بين الدول مُترابط، والتنقُّل والانتقال مرتبط بمنظومة قانونية دولية لايمكن تجاوزها، كما ان تبادل العُملة والسِلع، لايمكن ان يستديم إلا وفقاً للإتفاقيات الموقَّعة بين الدول، او التي تفرضها قرارت الامم المُتحدة، وخصوصاً قرارات مجلس الامن. والتفلُّت الذي استفاد منه عناصر التنظيمات الارهابية على خلفية التجاذبات بين الدول الكبرى لا يمكن ان يدوم.

ففرصة توجُّه اعداد كبيرة من المُقاتلين المُتفلتين من افغانستان الى العراق بعد العام 2003، انتهت، مع انسحاب الاميركيين من العراق. والاميركيون كانوا لا يعرفون المنافذ الحدودية، ويتساهلون الى ابعد مدى مع الناس، مما وفر ارضية استغلها الارهابيون لتعزيز مكانتهم. كذلك فإن التجاذب بين الدول الاقليمية التي ادى الى تسهيل حركة الارهابيين، واخراج بعضهم من السجون، بغرض الازعاج المُتبادل، قد انتهى، لأن “الموس وصلت الى ذقن الجميع” والمعني هنا تركيا وايران، اكثر من غيرهما.

ثانياً: الحياة الدولية العصرية لا تقبل التشريع على اساس الاجتهادات الارتجالية.

فالقوانين والانظمة الداخلية في الدول، مُلزمة بالتقيُّد بالمعايير الدولية (وهذه المعايير لا تنطبق على داعش) كونها لا تمتلك مشروعية الانشاء، ولا الاعتراف الدولي، وهما شرطان مُهمان للإنتظام الدولي العام. ومن هنا فإن البناء الذي تستند اليه ” فتاوى داعش” – التي هي بمثابة القوانيين عندها – غير مشروع.

كما ان شروط التشريع في القضايا الداخلية للدول – في النقل والزواج والتجارة والتعليم والمال والقضاء وفي غير ذلك – يجب ان تتقيَّد ببديهيات الانتظام الدولي، لاسيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان للعام 1948، والاتفاقية الدولية لمنع كل اشكال التمييز ضد المرأة للعام 1979، الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل للعام 1991.

قد يكون قرار مجلس الامن الرقم 2170 تاريخ 16/8/2014 – الذي منع كل اشكال التعامل مع داعش – بداية طريق لتطبيق المسار القانوني الدولي على المُتفلتين منه، ومع القرار بالتأكيد يأتي اعلان التحالف الدولي الذي بدأ بتوجيه ضربات ضد ” داعش”.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان