إن لم يكن ما تريد..

صلاح تقي الدين

عجيب وغريب أمر المزايدين في موضوع التمديد للمجلس النيابي. كأننا نعيش حالة استرخاء أمني ودستوري و”جنرال الفراغ” لم يحتل كرسي الرئاسة الأولى منذ ما يقارب الأشهر الخمسة، وكأن باقي الأمور ماشية على ما يرام، فيسمح بعض السادة المشرعين لأنفسهم الخوض في “ترف” رفض التمديد والمزايدة كما لو أنهم في موناكو.

صحيح أن التمديد مخالفة فاضحة للدستور، وصحيح أيضاً انه أبغض الحلال في ظل استحالة إجراء الانتخابات التشريعية في خضم هذه الأوضاع الأمنية “الزفت” حيث البلد على “كف عفريت” بين تهديدات في شمال وشرق وجنوبي شرق البلاد، واضطرار الجيش إلى الانتشار فوق قدراته الطبيعية لحفظ الحدود “الفلتانة” في هذه المناطق، دون إغفال الخطر الجنوبي الدائم والاستعداد الاسرائيلي الدائم “لرسم المؤامرات” بما يفيدها ويفيد استقرار أمنها.

لكن الصحيح أيضاً ان 20 تشرين الثاني على الأبواب، وإذا لم يبادر مجلس النواب إلى التمديد لنفسه، أوجب على حكومة المصلحة الوطنية، بما تعنيه الكلمة، المبادرة إلى إحالة مرسوم إلى مجلس النواب لطلب التمديد له. ليس المجال هنا للخوض في الأسباب التي تجعل من التمديد ضرورة حتمية، لكن من المفيد القول أن الفراغ في رئاسة الجمهورية خطير، لكن الأخطر هو الفراغ في السلطة التشريعية.

قد يدور في خلد البعض أن إجراء الانتخابات يسمح له بتسونامي جديد يزيد عدد المقاعد التي يملكها في البرلمان، فيقلب ميزان الأكثرية ليكون إلى جانبه ويحقق له حلمه في الوصول إلى بعبدا. وبالمقابل يفكر البعض الآخر بالطريقة نفسها ويحسب أن ثباته على مواقفه السياسية زادت من رصيده الشعبي إلى جانب “دلعه” على حلفائه فيعطونه من “كيسهم” بعض المقاعد التي تزيد من حجم كتلته. والبعض الآخر طامح في خرق اللوائح والوصول إلى ساحة النجمة متسلّحاً بمواقف “شعبوية” تحقق له حلمه فيكتسب لقب “صاحب السعادة”. كلهم على حق من منظاره، لكن الحقيقة قد تكون مختلفة.

هل يستطيع الرافضون للتمديد، وهم أشقاؤنا المسيحيون تحديداً في كلا الفريقين المنقسمين عمودياً، تبرير سبل الحديث الدائم عن مخطط “حزب الله” في الوصول إلى الفراغ، وبين رفضهم التمديد الذي يساهم في تطبيق هذه الخطة؟ هل يستطيع أحد “كبار” المشرعين سابقاً أن يقنع الناخبين بسبل قبوله التمديد “لسعادته” بين العامين 1972 و1992، ورفضه التمديد للمجلس الحالي الذي “فجع” لعدم وجوده بين الفائزين في الانتخابات الماضية؟

كل الأسباب التي تدفع ناشطي المجتمع المدني إلى التظاهر ورفع الصوت ضد التمديد محقة ولا نستطيع إلا أن نكون معها، لكن هؤلاء الناشطين أنفسهم، ومن بينهم من يفقه اللغة الدستورية وضليع في مسائل القانون، يدرك قبل الآخرين أن عدم التمديد للمجلس الحالي، مرفقاً بعدم إجراء الانتخابات النيابية، يعني ضياع البلد، وضياع نضالاتهم “المدنية” وتذهب صرخاتهم كفقاقيع هواء، فبسقوط المجلس، بعد سقوط الرئاسة، تسقط الحكومة وتتوقف عجلة الحياة بالكامل.

لو أن “البلد ماشي” لكان تنفيذ الاستحقاقات الدستورية ليس واجباً فحسب، بل ضرورة لا يمكن تجاوزها. لكن للأسف، البلد “مقعد” ومصاب بشلل جزئي، فإذا لم يتم التمديد ولم تجر الانتخابات في موعدها، أصيب بشلل تام ودائم، لن تعود تنفع معه جميع صيحات الرافضين للتمديد.

من أقوال الحكماء، إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون، وهذا ما ينطبق على ما نحن عليه وفيه في لبنان هذه الأيام. ليس بإمكاننا إجراء الانتخابات، فلنرض بالتمديد لأنه أهون الشرور.