وليد جنبلاط … ان شاخ

دنيز عطالله (ليبانون فايلز)

على عكس ما هو رائج، فاللبنانيون يتفقون على ثوابت كثيرة لدى وليد جنبلاط.

الثابتة الاولى انه “متحول” . من يحبه يرى في تحولاته فطنة وذكاء ومعرفة باتجاه الريح وقراءة واستشراف للمرحلة الآتية.

من لا يحبه يعتبره وصوليا، تتوزع حساباته بين حديّ مصلحته ومصلحة طائفته.

الثابتة الثانية التي يتفق عليها اللبنانيون حول جنبلاط انه قارئ نهم. يفترض الناس ان من يقرأ كثيرا تتكون لديه معرفة واسعة تضيف اليه وعيا نقديا للتاريخ والحاضر والمستقبل.

الثابتة الثالثة انه زعيم من الدرجة الاولى. وللزعامة في لبنان والمنطقة منطلق اساسي، وما عداه تفاصيل اضافية. فالزعيم هو القادر على اخذ الطائفة او الحزب او الجماهير الى حيث يذهب ويميل.

الثابتة الرابعة انه فنان. نعم، فالسياسة اللبنانية فن لا يتقنه الا قلة. قد يقال انها فن سوريالي او تراجيدي او حتى تجريدي، وهي على الارجح هجين من كل ذلك. وجنبلاط يجيد كل تقنياتها.

الثابتة الخامسة انه ساخر. والسخرية في احد وجوهها رفض للاستكانة الى المسلمات، او بحسب هيغل هي “التعبير، في أقصى ذروته، عن حاجة الشخصية الإنسانية إلى التحرر أو الاستقلال”.

يمكن تعداد عشرات الصفات التي يتوافق عليها اللبنانيون في توصيف جنبلاط. بعضها من باب الذم، واخرى في معرض المديح. لكن الاكيد ان له مكانة خاصة في تصنيفها في الحياة السياسية اللبنانية. لا يغيّر الكثير القول انه ورثها، صنعها، او اعطيت له.
يتكئ وليد جنبلاط على كل صفاته وارثه السياسي ويحاول منذ فترة طرق كل الابواب سواء داخل طائفته او لدى سائر المكونات السياسية. من الرابية الى جولة في الجبل. ومن معراب الى خلده وعرمون. ليست الرحلة قصيرة بكل المقاييس. سبقها طبعا لقاء مع السيد حسن نصرالله في تموز الماضي، ومع الرئيس سعد الحريري في زيارته السريعة الى لبنان كما مع معظم السياسيين اللبنانيين، وعلى الارجح لن تنتهي اللقاءات والتصاريح والتحذيرات الجنبلاطية.

بدا جنبلاط كأنه شاخ فجأة. بدا بالامس كأنه ينوء تحت حمل ثقيل. تسلل الهدوء الى لغة جسده وحركاته التي اشتهر بها. ازدادت جمله الوعظية، وتسللت الى كلامه تعابير من شاكلة “وصيتي اليكم”. انسحب التناقض الجميل بين خجل ابتسامته واسلوبه الذي يقارب الوقاحة احيانا، لصالح ابتسامة رصينة، كأنها معدة سلفا.

لم يبد وليد جنبلاط كعادته، برما، ضيق الخلق، حتى من السياسة، او خصوصا منها. بدا كمن يحاول ترميم سقف منزله تحت العاصفة. يحاول وهو مدرك للنتائج غير الواعدة.
بدا جنبلاط كأنه شاخ فجأة. وقد تكون “شيخوخته” اليوم مطلوبة. فهي مرادف “الحكمة” التي تفرض، في ابسط منطقها، ابقاء الجسور ممدودة مع الجميع، علّ هذا البلد الصغير يتمكن من العبور، باقل الاضرار الممكنة، الى الضفة الثانية من الحروب الحاصلة والمقيمة في المنطقة.