قراءات مختلفة للحرب الأميركية على “داعش”

تنشغل أروقة البيت الأبيض منذ اعلان الحرب الدولية على (داعش) بتحليل مسار هذه الحرب وبتطوراتها، ويكثر الكلام بين الباحثين الغربيين المقربين من القيادة العسكرية، عن جدوى الضربات الجوية، في إنهاء ظاهرة (داعش) أو تخفيف قوة اندفاعتها.

وإذ يتفق الجميع من خبراء وعسكريين وباحثين، بأن الرئيس أوباما لن يدخل الجيوش الأميركية بحرب برية ضد (داعش)، ما يجعل الضربات الجوية المركَّزة هي الخيار الوحيد، يتفق عدد كبير من الخبراء، بأن الضربات الجوية في تجارب الحروب السابقة في كوسوفو وجنوب لبنان وغزة لم تحقق النتائج المرجوة منها، وبالتالي فإن إنهاء ظاهرة (داعش)، تتطلب اجتياحا بريا تشارك فيه دول المنطقة.

ويرى الباحثون المتابعون أن تشكيل هذا التحالف دون مشاركة فعلية أميركية كما حصل في حرب الخليج الثانية بعد اجتياح صدام حسين للكويت، أمر صعب للغاية في هذه الظروف، وإن الخيارات الأميركية بعيدة عن هذا الاتجاه.

ويرى بعض الباحثين أن الرئيس أوباما الذي يرفض تشكيل قوة برية غربية تتولى انهاء (داعش)، ضمن التحالف الدولي القائم حالياً، له أسبابه السياسية المرتبط بطبيعة (داعش) (دولة إسلامية في العراق والشام)، ما يعني ان أي حرب برية غربية ضد هذه الدولة ستأخذ طابعاً دينياً، وتعيد إحياء الصراع الديني المسيحي الإسلامي في العالم، ما يعطي لـ (داعش) شرعية شعبية إسلامية من جهة، وتصبح التفاصيل الصغيرة والارتكابات العسكرية الخاطئة بعض الأحيان أكثر خطرا من خطر داعش على غرار سجن أبو غريب مثلا ما يجرد الولايات المتحدة الأميركية كدولة عظمى هيبتها كمناصر لحقوق الانسان ومثل أعلى للدول الطامحة للحرية والديمقراطية، وهذا ما اختبرته الولايات المتحدة في حروبها العديدة التي ارتدت عليها سلبا.

باحثون آخرون يقدمون الاستراتيجية الأميركية على غيرها من المصالح في عدم تشكيل تحالف بري ينهي (داعش)، فإعادة تشكيل المنطقة برأي تلك المصادر يتطلب تشكيل بدائل موثوقة تتولى السيطرة على الأرض، وتهيء لإنهاء ظاهرة (داعش) بدعم دولي، وهذا ما بدأته الولايات المتحدة تحضيره لا سيما في سوريا والعراق، فتدريب المعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها بالمعدات العسكرية الفتاكة من قبل الرياض وتركيا يتطلب بعض الوقت، وهذا ما يدفع للتريث في تحديد الفترة الزمنية للحرب الدولية على “الإرهاب”، إضافة الى إعادة تكوين الجيش العراقي، وهذا يتطلب صياغة سياسية جديدة للحكومة العراقية، فلا يمكن تشكيل الجيش الوطني العراقي من المكون الشيعي، لمحاربة الجيش الإسلامي لـ(داعش) السني، كما هو الواقع اليوم، ما يعني ان تهيئة هذا الجيش يحتاج أيضا الى مدة زمنية، والى ذلك الحين ترى المصادر ان الضربات الجوية أوقفت التمدد نحو كركوك ونحو الأردن وبالتالي يتم ضمان المصالح الأميركية في تلك المنطقة، ويضيف المصدر ان (كوباني) أو (عين العرب)، هي ضمن اهتمامات التحالف الدولي ولكنها لا تشكل حاجة استراتيجية للتحالف.

في سياق الحرب الدولية تلك التي تعيش أزمة اتضاح معالم اتجاه رياحها، قال مجلس الأمن في بيان إن “أعضاء مجلس الأمن يحثون المجتمع الدولي وفقا للقانون الدولي بزيادة تعزيز وتوسيع الدعم للحكومة العراقية بما في ذلك قوات الأمن العراقية في القتال ضد (تنظيم الدولة الإسلامية) والجماعات المسلحة المرتبطة به.”شدد مجلس الأمن “على ضرورة دحر (تنظيم الدولة الإسلامية) وعلى ضرورة إنهاء عدم التسامح والعنف

من جهته اعتبر مسؤول عسكري أمريكي بارز أن الجهود المحمومة لمليشيات تنظيم “الدولة الإسلامية” للسيطرة على بلدة “كوباني” الكردية بسوريا كفرصة مواتية للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا،لتوجيه ضربة قوية للتنظيم المعروف إعلاميا في داعش، والذي تسعى أمريكا لتحجيم قواه ومن ثم الإجهاز عليه.

وقال الجنرال لويد أوستن، من القيادة المركزية الأمريكية، إن دفع قيادات “داعش” بجحافل” من المقاتلين إلى المدينة وفر لطائرات التحالف الدولية أهدافا عديدة لضربها.

وقال الجنرال المتقاعد مارك هارتلنغ، إنه لا يتوقع حصول تبدل في استراتيجية الإدارة الأمريكية بمواجهة تنظيم (داعش)، معتبرا أن الغارات تعود بنتائج جيدة، ورأى أن التنظيم يحاول محاصرة الحكومة العراقية ببغداد لشلها عن العمل.

وحول مدى القلق الموجود في واشنطن حيال وجود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على بعد كيلومترات قليلة من بغداد قال هارتلنغ: “إنه أمر خطير بالفعل، لأن التنظيم سيحاول فرض حصار على بغداد ودفع الحكومة العراقية إلى مواصلة الانشغال بأمن العاصمة في حين يوسع هو نفوذه في الأنبار ومناطق أخرى، وقد يزيد من ضغط هجماته شمالا”. وأضاف: “إذا كانت الحكومة العراقية منشغلة بالتركيز على نجاتها وحماية العاصمة فسيكون من الصعب عليها توفير المتطلبات غير الطائفية التي يحتاجها الجيش من أجل الوقوف على قدميه مجددا وامتلاك القدرة على شن عمليات مضادة.”

وعن إمكانية حصول تبدل في استراتيجية التحالف الدولي في ظل عدم نجاح الغارات بوقف التنظيم عن مواصلة هجماته قال هارتلنغ: “لا أتوقع حصول تغيير لأنني أرى أن الغارات تؤثر ميدانيا – بخلاف ما يراه البعض – فهي قد أوقفت بشكل كبير تقدم التنظيم، كما أنها تدمر منشآته وآلياته، وقد تابعنا التقارير حول نتائجها.”

واستطرد قائلا: “الاستراتيجية الحقيقية لإدارة أوباما هي محاولة استرداد الأرض في العراق بالتزامن مع ضرب أهداف للتنظيم في سوريا، وبالتالي فنحن أمام استراتيجية من وجهين تقوم على استخدام القوة في مكان واستخدام سياسة الاحتواء في مكان آخر، وهذا أمر مهم في فهمنا لما يجري.”

وحول التراجع التركي عن الموافقة على استخدام القواعد العسكرية التركية في العمليات ضد داعش قال هارتلنغ: “السبب يعود بالتأكيد إلى أنها مناطق كردية والمجموعات التي تقاتل في تركيا تابعة لأحزاب مناهضة للحكومة التركية التي ترغب في القضاء على نظام بشار الأسد وليس الاكتفاء بضرب داعش.”

وأضاف: “الأمر المهم الذي يتوجب متابعته في كوباني هو قدرة المقاتلين الأكراد على الصمود وأنا أظن أن بوسعهم ذلك بحال حصولهم على بعض الذخائر والإمدادات، ولكن بحال سقوط كوباني فسيكون علينا متابعة الأهداف اللاحقة لداعش، هل سيحاول التنظيم التحرك نحو حلب؟ أم نحو المدن الكردية على طول الحدود مع تركيا؟ هذا هو السؤال.

وأيد هارتلنغ خيار عدم التعامل مع الأسد في ظل الظروف الراهنة قائلا: “نحن نواجه خطر إقحام أنفسنا بحرب أهلية، وهذا أمر له محاذيره. الجيش السوري الحر لديه القدرة على إلحاق الهزيمة بالأسد، ولكنه بحاجة إلى الكثير من التدريب، إذ لا يجب حصول تغيير في النظام دون وجود قوة قادرة على الحلول مكان النظام القديم، ولذلك نعود لطرح السؤال القديم: من سيخلف الأسد بحال إزاحته عن السلطة؟”

———————————

(*) اعداد فوزي ابو ذياب 

فوزي ابوذياب