دروز السويداء يميلون نحو الوسطية بعد أحداث “داما”

منذ بداية الأزمة في سوريا، وقف دروز سوريا على الحياد والتزموا الصمت تجاه ما يدور من أحداث دامية. إلا أنه في الآونة الأخيرة، بدأت تطفو على السطح تقارير صحافية تفيد بأن هناك تململا في المجتمع الدرزي إزاء أداء النظام، خاصة بعد أن طالت نيران الأزمة ريف محافظة السويداء ذات الثقل الدرزي.

هذا الواقع بدأ يأخذ منحاه خاصة بعد الاشتباكات التي وقعت في داما بريف السويداء في أغسطس الماضي، عندما اندلعت اشتباكات في تلك المنطقة بين مسلحين من البدو وبين مجموعة المعروفة باسم “اللجان الشعبية”، راح ضحيتها ما بين 12 و16 شيخاً درزيا، وفق تقارير إعلامية ومصادر أهلية.

وعلى الأثر، تجمع مئات من المشايخ والمدنيين أمام مبنى السرايا الحكومي وسط السويداء مرددين هتافات منددة بالنظام السوري.

وأكد “م. ح.”، أحد سكان السويداء ممن لديهم خلفية عسكرية، في حديث مع “العربية.نت”، أن الموقف العام للدروز بدأ يتبدل بشكل واضح، خاصة بعد ما سماه بـ”هجوم داما الشهير من قبل البدو على الدروز”، على حد قوله. وبرأي “م. ح.” هذه الحادثة كشفت كل الأوراق، مضيفاً أنه: “حينها أدركنا حجم المؤامرة التي يحيكها النظام لزجنا بالحرب إلى جانبه”.

وشرح المتحدث أن “النظام السوري استخدم البدو كفزاعة، وتعامل مع بعض منهم لإخافتنا من محيطنا التي تربطنا معه علاقات تاريخية”. كما أكد أن القوات المستقلة في السويداء قبضت على بعض المتورطين بالحادثة الذين اعترفوا بارتباطهم بالنظام.

إلا أن بعض الناشطين والباحثين في شأن طائفة الموحدين الدروز، أجمعوا على أن مسألة الابتعاد عن النظام لا يعني الانحياز إلى الطرف الآخر في الصراع، بل هو محاولة جادة وحثيثة للاعتماد على النفس في مسائل الأمن والدفاع، وعدم الانجرار لأي طرف للمحافظة على الكيان الدرزي في محيطه الإسلامي العام.

وفي هذا السياق، اعتبر “م. ح” أن الدروز لا يتعاطون مع النظام على قاعدة الولاء، “ولو استطاعوا ملاقاة شريك حقيقي لوقفوا معه”. واستطرد قائلاً: “أول من شارك في الحراك الشعبي المعارض في الشهر الأول من عام 2011، أي قبل اندلاع الأحداث في درعا كانوا من الموحدين الدروز، حينما تم اعتقال البعض منهم كفراس المحيثاوي ومعتز نادر”.

وشدد على أن للدروز حيثية خاصة في سوريا تدفعهم إلى التريث بخياراتهم، ويعود جذور هذه الحيثية الخاصة لعدة أسباب. وأوضح “م. ح.” أن المواطنين من تلك الطائفة ليس لديهم بشكل عام خيار اقتصادي غير الرواتب التي يتقاضونها من الدولة، كون القطاعات التجارية غير مزدهرة في تلك البقعة من سوريا بسبب الإهمال التاريخي لها، ولذلك غالبية سكان السويداء موظفون في القطاع العام.
من جهة أخرى، يرى “م. ح.” أن تلك الأقلية لا تتمتع بعمق استراتيجي يضمن لها وجودها في حال تم الاعتداء عليها.

وبحسب هذا الأخير، المؤامرة التي نفذها النظام في السويداء أتت في وقت يشهد أهل سوريا بكل أطيافهم تصدع هيكل النظام، خاصة بعد اتفاقية حمص الشهيرة التي كشفت حجم تدخل إيران في أدق التفاصيل الأمنية لتثبيت أقدام ما تبقى من الجيش والدولة .

أمام هذا الواقع، يرى رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، سامي أبو المنى، أن الدروز لطالما تماهوا مع محيطهم على مر العصور في مناطق تواجدهم، رافضاً تصنيفهم بخانة الأقليات. ويعتبر أبو المنى أن هذه المجموعة “انتماؤها عربي وإسلامي لا يقبل الشك”.

ويقول إن التمايز الأخير جرى بعد أن أدرك الدروز أن الأزمة ستطول وأن النظام لا يمكن أن يصمد إلى ما لا نهاية.

وأمام الوعي بحتمية التغيرات القادمة، يرى أبو المنى أن سكان السويداء قرروا التصرف بواقعية والتزام الوسطية حفاظاً على كيانهم، فتاريخيا رفض المجتمع الدرزي أن يكون رأس حربة في أي معركة، عاملاً بمقولة المعلم كمال جنبلاط: “نحن شعبٌ لا يعادي ولا يعتدي، بل يدافع وينتصر”.