هل من الممكن رسم خارطة طريق إقتصادية؟

رامي الريس

الكلام في السياسة والأمن كثير في لبنان، سواءً بين المواطنين أم على شاشات التلفزة التي تستضيف المحللين الجيواستراتجيين (وما أكثرهم) يقدمون قراءات لتطور الأوضاع السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط التي تعيش فترة معقدة عنوانها الأساسي الحروب والنزاعات الدموية. وهي حقبة غير مسبوقة لناحية عمق التحولات الكبرى التي تمر بها والتي من المنتظر أن تترك تداعياتٍ إستثنائية على شكل المنطقة وأدوار اللاعبين فيها.

صحيح أن الاستقرار والأمن هو المنطلق الحتمي لأي نمو إقتصادي أو إجتماعي، ولكن الصحيح أيضاً أن تغييب النقاش الإقتصادي، حتى في حقبات الإشتعال الأمني عندما تكون الحاجة لضبط الإستقرار تحتل صدارة الأولويات، هو خطوة غير حميدة. فإحدى مقومات الصمود في مواجهة المصاعب الأمنية هي نسج شبكة أمان إجتماعي تتحقق من خلال السعي لإعطاء الملفات الإقتصادية والمعيشية الإهتمام الذي تستحق على ضوء إنعكاساتها الكبيرة على كل الشرائح الإجتماعية.

إذن، الكلام في السياسة والأمن كثير بينما الكلام في الاقتصاد قليل وقليل جداً إن لم يكن معدوماً بالمطلق. فلولا السجالات المحمومة التي أطلقتها النقاشات المتصلة بسلسلة الرتب والرواتب والتي ترافقت مع مظاهرات مطلبية شعبية لم يشهد لبنان لها مثيلاً منذ بعيد (وهي ظاهرة صحية بالمناسبة)، لولا هذا الأمر لما فتح النقاش الإقتصادي بالبلد وهو فُتح بطريقة غير علمية ومجتزأة إذ شاب النقاش حول السلسلة الكثير من المزايدات السياسية الشعبوية والقليل من الدراسات العلمية والتقنية. وتكفي الإشارة الى أن وزارة المالية لم تصدر إحصاءات نتائج الخزينة منذ الفصل الأول من العام 2014 لإدراك مدى الإرباك الذي يعتري السلطة السياسية بشكل عام وسبل التعاطي مع المسألة الإقتصادية – المالية بشكلٍ خاص.

كما ان عدم إصدار المؤشرات العامة للسنة التاسعة على التوالي يطرح بدوره جملة من علامات الاستفهام الكبرى، لا سيّما أن الموازنة العامة تحدد السياسة المالية العامة للدولة وترسم خطوطها العريضة. هذا وينتظر لبنان سنة 2015 مجموعة من الاستحقاقات المالية منها سندات بالعملات الأجنبية وديون وسندات بالليرة اللبنانية تفوق 15 مليار دولار ومن ضمنها عجز الموازنة العامة المقدر بحوالي 5.2 مليار دولار.

وقد يكون من المفيد التذكير بأن إجمالي الناتج المحلي كان سجل نمواً بمقدار 8 بالمئة سنوياً بين عامي 2007 و2010 ليعود هنا المعدل ويهبط الى 1.5 بالمئة سنوياً بيع عامي 2011 و 2013 وهي نسبة نمو متدنية جداً، وتعكس التباطؤ الإقتصادي العام الذي تمر به البلاد. وغني عن القول أن تأثيرات الحرب الأهليّة السوريّة على الاقتصاد اللبناني كانت كبيرة. وبفعل الانعكاسات الأمنيّة لتلك الحرب على الداخل اللبناني، سجل تراجع كبير وهو الذي يمثل مع قطاع الخدمات 75 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي كما أن قرارات الحظر التي أصدرتها دول الخليج والتي منعت بموجبها مواطنيها من التوجه الى لبنان أدت الى تراجع السياحة وإنخفاض السياحة البرية بمعدل 87 بالمئة في السنوات الثلاث الماضية.

وتشير الارقام ومنها ما نشرتها صحيفة “الحياة” الى هبوط كبير في قطاع السياحة إذ إنخفض من أعلى مستوى له (مليونان و 158 ألف سائح) في العام 2010 بحوالي نصف مليون في العام 2011، وواصل هبوطه ليبلغ مليون و274 الفاً في العام 2013. وبطبيعة الحال، أدى ذلك الى إنخفاض معدلات الاشغال في الفنادق وتراجع الحركة في معظم القطاعات الاقتصادية.

ويشير الكاتب الاقتصادي عدنان الحاج الى أن البطالة زادت بنسبة 10 بالمئة لغياب المشاريع التي تخلق فرص العمل ولتنامي في حركة النزوح السوري، كما أن الدولة تحصر توظيفاتها بالقطاع العسكري نتيجة تردي الوضع الامني. وغني عن القول ان تآكل المالية العامة في سبيل خدمة الدين العام وتغطية نفقات الرواتب والأجور أدى تلقائياً الى تقليص النفقات الاستثمارية التي تصرف على المشاريع التنموية والمناطقية والتي تساهم بشكلٍ أو بآخر في تحريك العجلة الاقتصادية.

ويقول الحاج أن نشاط القطاع المصرفي لم يكن أفضل من سائر القطاعات بالنسبة للتأثر بالظروف، فقد تراجع نمو موجودات القطاع المصرفي من 6 مليارات دولار في العام الماضي الى حوالي 4.8 مليارات دولار. بالنسبة لحركة الودائع فقد تراجع نموها من 6.1 مليارات دولار الى حوالي 5.1 مليارات دولار بنسبة قدرها 17.3 في المئة خلال سبعة أشهر مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.

خلاصة القول أن الملف الاقتصادي والاجتماعي يتطلب تحرّكاَ سريعاً ومعالجة فورية في بعض جوانبه الاساسية لا سيما أنه يشكل حجر الزاوية في أي استقرار منشود أقله على المستوى الاجتماعي طالما أن العلاجات السياسية والأمنية تتطلب إجراءات أخرى على مستويات أخرى البعض منها يبدو متعذراً في هذه اللحظة الصعبة.

———————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!