ميشال سليمان ..

صلاح تقي الدين

من الطبيعي أن يكون “مالئ الدنيا وشاغل الناس” من يكون جالساً على كرسي الرئاسة في بعبدا ويحمل لقب فخامة الرئيس، فتتنافس الأقلام في مديحه أو نقده طالما هو في مكانه، والرقم الأول في المعادلة السياسية اللبنانية.

لكن أن يظل يشغل الناس بمواقفه، وتظل العيون والأقلام ترصده وتلاحقه بعد أن يعود إلى لقبه العادي كمواطن، فذلك دليل على أن فخامة الرئيس “السابق” كان يستحق وما يزال الصفة التي أطلقت على المتنبي منذ مئات السنين.

هذا ما كان عليه كميل شمعون وفؤاد شهاب وسليمان فرنجية، الذين طبعوا الحياة السياسية اللبنانية أثناء وبعد ولاياتهم الرئاسية. فالأول ترك الرئاسة ليعود نائباً ووزيراً وزعيماً مسيحياً من الطراز الرفيع، ومن الطبيعي أن يظل موضع اهتمام الناس والأقلام. والثاني أسس مدرسة لا يزال يفاخر بعض السياسيين برغم مرور أكثر من نصف قرن على نشأتها بأنهم من تلامذتها النجباء. والثالث كانت شخصيته التي طبعته والمآسي الخاصة والوطنية التي عايشها، سبباً في استمرار اهتمام الناس به وحديثهم لغاية اليوم.

طبعاً لا يمكن أن نغفل عن ذكر رئيس الاستقلال الأول الشيخ بشارة الخوري، ولا الرئيس شارل الحلو صاحب اتفاق “الشؤم”، ولا الرئيس الياس سركيس الذي أدار الأزمة اللبنانية بدقة صانع الساعات السويسرية، ولا الرئيس الشيخ بشير الجميل الذي كان ضحية “قوته”، ولا شقيقه الرئيس أمين الذي سلّم الأمانة إلى المرشح الدائم لـ “الكرسي”، ولا الرئيس رينيه معوّض الذي كان شهيد الاحتلال “الشقيق”، ولا الرئيس الياس الهراوي الذي أطلق مرحلة استعادة مؤسسات الدولة برفقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا أميل لحود الذي أطلق مسار انحدار الدولة ومؤسساتها وطبع عهده المشؤوم باغتيال الرئيس الحريري.

غير أن الرئيس العماد ميشال سليمان من طينة الرؤساء الثلاثة الأول، ولإن كان يتقدّم عليهم لجهة الظروف التي رأس فيها الجمهورية، وهي في واقع الحال ما كان جزء يسير بسيط منها موجوداً خلال عهدي شمعون وشهاب، بل أن حوادث العام 1958 تعتبر “رحلة صيد” مقارنة بالحروب والكوارث والفظاعات التي عاشها لبنان لاحقاً، والتي كان “7 و11 أيار” علامة فارقة فيها.

ويُسجّل للرئيس ميشال سليمان أنه كان مثل أسمه: حكيماً وسط مجانين، وقائداً وسط مغامرين، ورئيساً وسط مسترئسين، ورجل دولة في عزّ صعود نهج الدويلة ومسارها.

Michel_Sleiman

استطاع قائد الجيش السابق، الابن البار للمؤسسة الدستورية اللبنانية، ولمدرسة الراحل فؤاد شهاب، أن يضع “الكتاب” بينه وبين حملة الشعارات الفارغة والمعادلات الخشبية، وأن يحفظ مؤسسة الرئاسة في وجه المتطاولين عليها، وأن يعيد الهيبة الفعلية والحقيقية لمعنى السيادة الوطنية والكرامة الخاصة بالأفراد والمؤسسات والمناصب على حد سواء، وخطً نج الوسطية والاعتدال وكرّس موقع الحكم في الرئاسة فلم ينحز إلى فئة ضد أخرى.

تصدّى للتدخل السوري الفظ في الشؤون الوطنية اللبنانية، ورفض التنازل أو التخاذل أمام فضح ممارسات النظام الفئوي المافيوي الفتنوية والاجرامية مهما كان ثقل ووزن صنّاعها ومفجّريها، حتى وإن كانوا من أرباب ذلك النظام، واضعاً مصلحة اهله وبلده فوق وقبل أي مصلحة أخرى، قريبة كانت أم بعيدة، صديقة أم عدوة.

من هذه النقطة انطلق عندما وضع أسس “اتفاق بعبدا” وسياسة “النأي بالنفس”، ولم يبحث في ذلك عن عزّ أو مجد شخصي وما شابه، ولذلك جُنّ منه الطاغية في دمشق، ولم تعد تتحمّله فصائله المحلية، فتعرّض الرجل ولا يزال لواحدة من أنذل وأحقر الحملات والافتراءات والتجنّيات، وفقط لأنه قال وفعّل قوله: “وطني فوق الجميع”.

تعرّض مثل غيره من رافضي سياسة الجنون والمحاور إلى التخوين والافتراء، وهو لم ولن يتآمر على أبناء بلده لا داخلياً ولا خارجياً، ولم ينخرط في صفقات أو مؤامرات تلحق الأذى أو تعرّض فئة لبنانية إلى سوء، ومع ذلك، هو خائن لأنه لم ينفّذ أوامر المحور الاقليمي، ورفض انخراط بلده خلال عهده في حروب لا تعنيه ولا تخصّه.

ما كان أحوج اللبنانيين إلى بقائه في سدّة المسؤولية الوطنية الأولى، تماماً مثلما كان مجيئه أصلاً رئيساً للجمهورية بعد محنة “7 و11 أيار”، وفوق ذلك، بعد الكارثة التي أصابت لبنان على مدى تسع سنوات من خلال ولاية أميل لحود.

فخامة العماد: لا تليق الرئاسة إلا بك وبأمثالك، وحبّذا لو أن حظّ لبنان واللبنانيين أحسن مما هو عليه.