حماية الجيش أولوية وطنية ودولية لحماية لبنان

ما كشفه قائد الجيش العماد جان قهوجي من أن تنظيم (داعش) يعتمد على خلايا نائمة في طرابلس وعكار كما على دعم بعض القوى في الطائفة السنية في لبنان، محذراً من ان تنظيم (داعش) يعمل على اشعال حرب أهلية في لبنان، خصوصاً بين السنة والشيعة. وأنه “يريد إقامة ممر آمن الى البحر، وهو ما لم يتوافر لها حتى الآن، لا في سوريا ولا في العراق، وهو يعتقد ان هذا ممكن تحقيقه في لبنان”، معتبراً انه “لذلك تعمل (الدولة الإسلامية) من أجل ربط جبال القلمون في سوريا بعرسال، ومن ثم بمنطقة عكار وأخيراً في الشمال”. يبعث القلق في النفوس إذا ما قورن بالممارسة السياسية القائمة في لبنان، لا سيما لناحية الانقسام السياسي العمودي، واختلاف وجهات النظر في تحليل تلك المعطيات وتقدير مستوى مخاطرها.

مما لا شك فيه أن معطيات قائد الجيش سبق ان تناولتها وسائل الاعلام من ضمن اعترافات الموقوفين لدى القضاء اللبناني من الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن الاحداث الإقليمية المشتعلة في سوريا والعراق والحرب الدولية على (داعش)، توقر القناعة التامة لدى الجميع من أن طموحات (داعش) لن تقف عند حدود لبنان بعد ان فككت وتجاوزت الحدود التاريخية المرسومة بين العراق وسوريا، ويعزز هذه المخاوف الفوضى التي تحيط بملف النازحين السوريينوطريقة التعامل التي اعتمدتها الدولة اللبنانية مع هذا الملف الإنساني الشائك والمعقد.

وقد كشفت المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني مرارا لبعض مخيمات النازحين بأنها لا تخلو من السلاح والمسلحين، حيث أوقف 16 سورياً وصادر كمية من الأسلحة والعتاد في أحد المخيمات في الدريب الأوسط، أمس الأول، على خلفية استهداف العسكري الشهيد ميلاد عيسى في الريحانية.

ويشير ذلك الى إمكان وجود كتلة بشرية متدربة على حمل السلاح يمكن استخدامها في أي مخطط أمني قد تلجأ إليه (داعش) أو في الشمال، إضافة الى المجموعات اللبنانية التي بدأت تكشف عن نفسها تباعاً، وتتخذ من المواقف التحريضية، بشعارات مذهبية، ضد المؤسسة العسكرية، غطاءً لارتكاباتها.

يدفع هذا الواقع، الى رفع الصوت من احتمال تكرار ما شهدته عرسال وبريتال من غزوات، لكن هذه المرة في مناطق شمالية متعددة. وتحذر مصادر مطلعة من أن الاستهدافات الفردية اليومية للجيش “وما يقابلها من ردات فعل سياسية خجولة، برغم المشاركة الشعبية في تشييع الشهداء من العسكريين، كل ذلك يزيد من حجم المخاطر والتحديات”.

سيما وان وتيرة التعديات اليومية على الجيش بات مضاعفة عما كانت عليه في السابق لا سيما في منطقة الشمال، حيث أقدم مجهولون فجر الجمعة على رمي قنبلتين يدويتين باتجاه أحد شوارع مدينة طرابلس الساحلية الشمالية، كما أقدم آخرون على إطلاق النار باتجاه حاجز للجيش في المدينة، دون تسجيل إصابات في صفوف العسكريين .

وقال بيان صادر عن قيادة الجيش اللبناني أنه “بتاريخه الساعة 4.30 فجرا، أقدم عدد من الأشخاص في محلة باب التبانة – طرابلس على رمي قنبلتين يدويتين باتجاه شارع سوريا، كما أقدم آخرون على إطلاق النار باتجاه حاجز الجيش في محلة طلعة العمري، من دون تسجيل إصابات في صفوف العسكريين”.

وأضاف البيان أن وحدات الجيش ردت على مصادر إطلاق النار “بالمثل، وتعمل على ملاحقة المعتدين لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص”.

من ناحية أخرى كانت ثلاث آليات للجيش اللبناني تعرضت ليل الخميس لإطلاق نار من داخل مخيم المصيدة في عرسال شرق لبنان دون تسجيل إصابات في الأرواح .

وأكدت قيادة القوات المسلحة اللبنانية أن “آلية تابعة للجيش في محلة (قشلق الأوتوستراد) الجديد تعرضت لإطلاق نار من داخل الأراضي السورية. كما أقدم مجهولون من داخل مخيم المصيدة بعرسال على إطلاق النار باتجاه آليتين تابعتين للجيش عند مرورهما في المكان، فردت الدورية بالمثل على مصادر إطلاق النيران، من دون إصابة”.

ويتعرض الجيش اللبناني في الفترة الأخيرة لاعتداءات من قبل مسلحين مجهولين كان آخرها، أمس الخميس، حيث قتل جندي وأصيب آخر إثر إطلاق مسلحين النار عليهما في بلدة الريحانية بعكار شمال البلاد.

وصد أيضا، هجوما لمسلحين كانوا يحاولون التسلل الى أحد مراكزه ببلدة (عرسال) قرب الحدود السورية، كما تعرض أحد مراكزه لإطلاق النار من مخيمات للنازحين السوريين بالمنطقة.وكان جندي في الجيش اللبناني لقي مصرعه الثلاثاء الماضي أثناء محاولته تفكيك عبوة ناسفة بالمنطقة الحرة في مرفأ طرابلس.

هذه الاعتداءات على القوى الأمنية لا سيما الجيش اللبناني والتي تتزامن من حين إلى آخر مع حملات سياسية من طرفي النزاع (8 و14 أذار) إما مشككة بقدرة الجيش أو بانحيازه لصالح فريق ضد آخر، تبعث الى القلق حول مستقبل البلاد وسط الفراغ السياسي القائم وعدم قدرة الحكومة منفردة على اتخاذ القرارات المصيرية التي تتطلب وجود رئيس للجمهورية على رأس الدولة. فاستهداف الجيش يعني استهداف العمود الفقري الأساس للدولة اللبنانية، ما يتطلب ذلك التكاثف حوله واحتضانه، وليس التضامن اللفظي معه، ما يستدعي الإسراع في تأمين الاحتياجات العسكرية القتالية اللازمة له والتي حددها قائد الجيش بقوله: “نحن بحاجة الى مروحيات قتالية والى دعم جوي لقوانا البرية. لقد نجحنا بتزويد بعض مروحيات بوما التي توفرت لنا سابقاً من فرنسا بصواريخ 400 كيلو، ولكننا بحاجة الى أسلحة أكثر تطوراً. ونجحنا بمهاجمة داعش من وقت الى آخر، ولكن يجب ان ننتبه الى ان 27 من عسكريّنا لا يزالون بين أياديهم”.

وذكرت معلومات “أنّ أبرز الأسلحة في اللائحة الفرنسية للجيش اللبناني من هبة الـ 3 مليار دولار التي قدمتها السعودية هي طائرات (الغازيل) المتطوّرة والتي تحمل صواريخ وتُستخدَم للمراقبة، صواريخ «ميلان» المضادة للدروع، ومدافع من عيار 155 ملم، إضافة الى ناقلات جند، وزوارق بحرية مجهّزة برشاشات ومعدّات لمراقبة الشواطئ، في وقتٍ لم تطلب القيادة دبّابات فرنسية.

حماية الجيش وتحصينه سياسيا وعسكريا يبقي لبنان في مأمن من التداعيات الإقليمية الكبرى ومن محاولات البعض جره للانخراط في صفوف التحالف الدولي أو في الجهة المقابلة حماية الجيش حماية للبنان من خطر الانهيار.

فوزي ابوذياب