مخاطر جدية من عدوان اسرائيلي واسع

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

توحي الاجواء المُحيطة بالوضع في الجنوب بأن شيءً ما قد يحصل في الايام المُقبلة، ذلك وفقاً لمُعطيات مُجمَّعة منمُشاهدات ميدانية وتصريحات سياسية، ومن خلال تحليلات تتداولها مراكز الدراسات والابحاث. فاسرائيل قد تُقدِم على حماقة كبيرة تُسبِب ارباكاً واسعاً، يزيد من حالة التأزُّم التي يعيشها لبنان.

منذ فترة طويلة تناولت وسائل اعلام غربية معلومات عن نوايا اسرائيلية بإستغلال الاوضاع المتوترة في سوريا للقيام بعمل عدواني، يكون هدفه غير المُعلن تدمير مئة الف صاروخ يملكها حزب الله وموجهة الى المُدن الاسرائيلية. وفي معلومات التسريبات الاعلامية ايضاً: ان الظروف قد تكون مؤاتية للقيام بالعدوان، وبغطاء دولي، نظراً لإنزعاج الدول الغربية الكبرى من موقف ايران وحزب الله المُعارض للتحالف الدولي الذي ينفذ عمليات عسكرية ضد قوات الدولة الاسلامية في العراق والشام ” داعش ” والمنظمات الارهابية الأُخرى في العراق وسوريا.

عملية التفجير التي استهدفت دبابة اسرائيلية من نوع ميركافا في مزارع شبعا المُحتلَّة نهار الثلاثاء الماضي، قد تكون الشرارة التي تُؤسس لحريقٍ قادم، ففي ذات اليوم منذ 14 عام، اي في 7/10/ 2000، قام حزب الله بعملية في المكان ذاته، ادت الى اسر ثلاثة جنود اسرائيليين، وكان ذلك بداية لأحداث لاحقة. والعملية التي تبنّتها مجموعة الشهيد علي حسن حيدر التابعة لحزب الله، ادت هذه المرة الى جرح ثلاثة جنود من قوات الاحتلال، وارخت بأجواء توتر كبيرة على الجنوب عامةً، وفي منطقة العرقوب بشكلٍ خاص، والقذائف الاسرائيلية التي استهدفت بعض المواقع في محيط شبعا وتلال كفرشوبا، كانت بمثابة الرد الميكانيكي المُباشر على العملية، وليست الرد النهائي.

فرئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اعلن ان حكومته لن تسمح بإستهداف اسرائيل مهما كانت الظروف، امَّا رئيس اركانه بيني غاتس فقد رفع سقف التهديد الى درجات عُليا، واكد على ” حق اسرائيل بالرد في اي توقيت، واي طريقه، واي مكان تراه مُناسبا ” والكلام يؤشِّر الى نوايا عدوانية تتجاوز الرد المحدود على عملية محدودة.

منذ اشهر تمَّ تسريب معلومات مصدرها اسرائيل: ان حزب الله ربما قام بحفر خنادق تحت الارض تصل الى الجليل الاعلى، ورافق هذه المعلومات تسريبات عن نيّة لحزب الله في احتلال الجليل فيما لو وقعت المجابهة مع اسرائيل مُجددأ. كُل ذلك قد يكون في سياق تهيئة الرأي العام الاسرائيلي والغربي بشكلٍ عام لضربات عدوانية قد تحصل، وتكبير حجم الخطر من قبل الاعلام الصهيوني يحمل خلفيات ليست بريئة اطلاقاً، فتلك عادة اسرائيلية واميركية قديمة تُحاكي العواطف الشعبية، لضمان تأييد العمليات العسكرية.

اسرائيل تعرف ان الاوضاع اللبنانية هشَّة من النواحي الامنية والاقتصادية والدستورية، وهي تُدرك ايضاً ان التعاطُف الذي كان يحضى به حزب الله في الاوساط العربية واللبنانية بعد عدوان تموز 2006، قد تلاشى الى حدٍ بعيد بعد انغماس الحزب في احداث ايار 2008، ومن جراء تدخُلهِ العسكري الى جانب النظام في سوريا.

في الحسابات الاسرائيلية عادةً ما يكون استغلال الفرص قاعدة، يمكن الولوج منها لتحقيق اهداف عدوانية. فالجميع بالنسبة لإسرائيل اعداء، ومَن يخدم اهدافها يمكن التخلُّص منه فوراً عندما تنتفي الحاجة اليه.

ان مُساهمة حزب الله في استمرارية الاقتتال في سوريا لا يُمكن لها ان تشفع للحزب امام اسرائيل، فهي بطبيعة الحال ستقتنص الفرص للإنقضاض على المقاومة واسلحتها عندما تحين الفرصة.

توقيت االتفجير الذي قامت به المقاومة ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا، قد يكون فرصة للعدو، يمكن اسغلالها للقيام بعدوان واسع يستهدف لبنان. فإسرائيل قد ترى  التوقيت مناسباً لذلك، لمجموعة من الاعتبارات:

الاعتبار الاول: لكون العدوان يُربِك الساحة اللبنانية، وقد يؤدي الى فوضى عارمة، بسبب الفراغ الذي تعيشه المؤسسات الدستورية، وعلى وجه الخصوص عدم وجود رئيس للجمهورية، ويضنّ العدو ان الاوساط الشعبية ستُحمِّل حزب الله المسؤولية عن العدوان.

الاعتبار الثاني: يستند الى الامتعاض الدولي الواسع من العملية الاخيرة، لاسيما موقف الولايات المُتحدة الاميركية التي ادانت التفجير بشدة، وذلك يمكن ان يُعتبر ضوء اخضر لإسرائيل لتنفيذ عدوانها، في وقت تتشتت قوة حزب الله بين لبنان وسوريا.

الاعتبار الثالث يرتكز على التقاطعات والحسابات المُتعددة والمُتنوعة للدول المجاورة المعنية بالعدوان، بحيث ان بعض هذه الدول ضعيفة وعاجزة عن الرد كسوريا، وبعضها الآخر مُمتعض من موقف حزب الله، وهو شريك بالتحالف الدولي ضد الآفة الداعشية.

هل تكون عملية مزارع شبعا في 7/10/2014 الفرصة التي انتظرتها اسرائيل لتحقيق حلمها بتدمير صواريخ المُقاومة، وسط الضباب الكثيف الذي يلفُ المنطقة برمتها، وفي الوقت الضائع؟

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية