هاني فحص: شلوح الأرز تبكيك

محمود الاحمدية

“ولا تجعل يَدَك مغلولة” إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلوماً محسوراً ” (الإسراء: 29)

رحل السيد العلامة الشيخ هاني فحص… رجل الحوار والإعتدال والعيش المشترك… يقول كلاماً رسوليّاً رائعاً: “تأسّسْتُ منذ صغري على الحوار والعيش المشترك وهي ثوابت غَرَسَتْها فيّ المدرسة الرسميّة… لم تخلُ حياتي في لحظات عابرة من التورّط في عصبيات مذهبيّة أو دينيّة، لكنّني تيقّنْتُ مع مرور الزمن بأن العيش المشترك والحوار والإندماج هي الأصل” … عاش على مبادىء العروبة وقضية فلسطين وكان من الأوائل الذين تحرّكوا في الجنوب من أجل فكرة المقاومة للعدو الإسرائيلي ومارس قناعاته بِكِبَرٍ وإيمان وعندما ذهب إلى النجف وبعد تعامله المعتدل وإتصاله بالإيرانيين إلى درجة ومن خلال قربه للإمام الخميني شارف على حوار لكيفيّة تسليح الفلسطينيين وعن أهمية دور إيران في رفد المقاومة الفلسطينية ويقول وفي وسط هذه المعمعة والإيمان الكامل بقضية فلسطين لاحظ نوعاً من الإستقلالية الإيرانية حتى شخصنتها بمعنى أن إيران تأتي بالدرجة الأولى ولاحظ جنوحاً إيرانياً نحو شعور وطني إيراني قبل كلّ شيء … عندها قرّر العودة إلى رحاب الوطن فقال لعائلته: لنشدّ الرحيل وبالحرف الواحد يقول: “عندما سمعت وبطريق الصدفة أغنية: يا قمر مشغرة يابدر وادي التيم لسفيرتنا إلى النجوم فيروز تخيّلتُ الوطن يفتح ذراعَيْه وشعرْتُ بأنّ نقطة الإنطلاق أو نقطة البيكار هي وطني لبنان، نقطة البيكار هي العمل على توحيد الكلمة في لبنان عِبْرَ الحوار المباشر مع جميع الفرقاء”…

وبدأت رحلته في رحاب الوطن بفتح النوافذ على الجميع مستنداً على تاريخ من نضال عمّده في مسيرته من خلال ماضٍ مشرّفٍ ورائد … وقليلٌ من اللبنانيّين يعرف أنه وفي عام 1994 كان له دورٌ سياسيٌّ رائد حيث شارك في المؤتمر المسيحي وشارك معه الدكتور سعود المولى وكان لهم دور فعّال في إخراج المسيحيّين من إحباطهم وكان يقول الإحباط المسيحيّ مسألة وطنية وليست مسألة مسيحية… وقليلون الذين يعرفون أن الإجتماعات التي سبقت مؤتمر قرنة شهوان عام 1999 شارك فيها بفعاليّة كبيرة الشيخ هاني فحص … وكان يقول: المعركة نفسها ونشارك فيها سوياً… أهمّيتُهُ تكمن ومن خلال رحيله أن اللبنانيين كلّ اللبنانيين فُجِعوا بهذا الرحيل وليس من السهل قراءة حوالي أربعين مقالاً عنه في الصحافة اللبنانية خلال 72 ساعة بعد رحيله، ومن مختلف الشرائح والأحزاب والطوائف اللبنانية وبقي على دوره الوطني الجامع في مسألة التناقض الشيعي السني وكان موقفه واضحاً وقاطعاً حول نقطة واحدة: مرجعنا الدولة ثم الدولة ثم الدولة… وطلب من الجميع الجنوح نحو هذا القاسم المشترك الطبيعي لبناء الأوطان… واعتبر الشيخ هاني نفسه من أكبر الخاسرين بالمعنى الروحي والنفسي والثقافي بعد الإنشقاق الحاصل بين اللبنانيين عموماً وبين السنة والشيعة خصوصاً… ويقول مبتسماً ومتحسّراً: “كان معظم أساتذتي من الموارنة أما الشيعي والسني فكانا من مناطق مختلطة… خَلقت الحرب للجيل الجديد بيئة من الصّفاء المذهبي، لم يَعُدْ المسيحي يدرّس في قرية مسلمة ولا العكس… أما في المناطق التي فيها شيء من الإختلاط القسري فيعيش الجيل الجديد قَلقاً يومياً متسائلاً هل يقبل به الآخر أم لا؟؟ ويتابع بألم وبحسرة: أنها سخريّة زمن لم يشهد له مثيلاً، زمن منعه من إطلاق أي حركة حوارية في تلك المرحلة الدقيقة، والمعروف أنه عضو في الفريق العربي الإسلامي المسيحي للحوار وأحد مؤسسي المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، استعاض عن ذلك بالمشاركة في ندوات حوارية مع نِخَب مثقّفة لأنه وحسب تعبيره عندما تتوازن النخبة وتتحاور وتقرّ العيش المشترك ينعكس ذلك على الناس”.

عام 2007 توقف السيّد عن التنقل لأشهر وبات شبه سجين بين كتبه وأوراقه وفقد السيد المحب للإجتماع والنقاش والحوار شهية التنقل وتعطلت لديه لغة الحوار وقال متهكّماً: أشعر وكأن منزلي يتهدّم وين بدّي روح ؟؟

علاقته بحزب الله وأمل لخّصها بطريقة علمية دامغة وعقلانية: “أنها تجمع بين المودّة والنقد ويضيف: أعتقد أن المودة بلا نقد تتحول إلى نفاق والنقد بلا مودّة يتحوّل إلى عداء”.

الشيخ هاني فحص العلامة والمفكر والسياسي والشاعر بإمتياز والمحاور بإمتياز هو عِدّةُ رجالٍ في رجلٍ واحدٍ، باختصار شديد أنه يختصرُ ضميرَ أمّة.

برحيله، لبنان والوطن العربي والمنظومة الإسلامية العالمية ، فقدوا رجل الحوار والعقلانيّة والفكر الواسع والإنفتاح على الآخر .

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة