قليلاً من العقلانية يا سادة!!
محمود الاحمدية
24 سبتمبر 2014
جاء في سورة (غافر: 67) : “هو الذي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثمّ مِنْ نُطْفَةٍ ثمّ من عَلَقَةٍ ثمّ يُخْرجُكُم طِفْلا” ثم لِتَبْلُغوا أشُدَّكُم ثمّ لِتكونوا شُيوخاً ، ومِنْكُم من يُتَوَفَى من قَبْلُ ، ولِتَبْلُغوا أجَلاً مُسَمّى ولِعَلّكُم تَعْقِلون” .
في الوقت الذي ينهار فيه الوطن على كلّ الأصعدة، الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفنية والبيئية، في الوقت الذي أصبحت الكهرباء والماء نوعاً من العملة الصعبة ونوعا” من الأحلام، في الوقت الذي أكل فيه التحلّل منطق المؤسّسات حيث ترى موظفاً آخر همّه متابعة واجباته ويتطلّع إليك شزراً وكأنك عدوّه، حيث السرقة والتشبيح أصبحا وجهة نظر، في الوقت الذي أصبح فيه الوطن بلا رأس يحكمه والجميع يتطلّعون إلى هذا الواقع المأساوي وكأنه شيءٌ طبيعي في الوقت الذي تتمّ فيه أقسى مسرحية أبطالها داعش والنصرة والجنود الأسرى، ويعيش الوطن على برميل بارود مستعدّ للإنفجار في أيّة لحظة وأصبح فيه قتل (إذا لم نستعمل كلمة أقسى) جندي مثل شربة المياه وكلّ المسؤولين باستثناء الأستاذ وليد جنبلاط الذي تكلم في راشيا البارحة عن المقايضة بشروط ،كلهم يتطلعّون بعيون جاحظة وكأننا وعلى طريقة المأساة الإغريقية نسير إلى حتفنا بأقدامنا مسؤولون وشعب، والسؤال المصيري المطروح: لماذا هذه المكابرة الخادعة، لماذا هذا التجاهل على طريقة النعامة في الرمال، لماذا كل هذه الزواريب التي تدخل فيها الحكومة في الرمال المتحركّة تغرقها كلما مرّ يوم على مأساة الاعتقال.
نحن كأناس عاديين نتساءل ونرى ونحلّل ونستغرب … السؤال المصيري بكل بساطة والمطروح بالذات على هذه الوزارة برئيسها وأعضائها فرداً فرداً: ما دام مرّ الآخرون في الظروف نفسها وتكررت مسألة الاعتقال والمفاوضات والمبادلة وذلك بين العدو الإسرائيلي الذي تخلى عن حوالي الخمسمئة معتقل مقابل جثة جندي عند حزب الله لأن الاهتمام بجثة جندي يعني الاهتمام بشعب بكامله وصون وقارِهِ وقيمتِهِ أمام شعوب الأرض كافّة … وحدثت المقايضة بين النظام السوري والجيش السوري الحر والمفاوضات التي أوصلت إلى تبادل 54 إيرانيا معتقلا مع السوري الحر مقابل 1500 جندي ومدني في سجون النظام وبين الفلسطينيّين والعدو الإسرائيلي تمت مبادلة آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل جندي يهودي بين أيديهم!! إسرائيل والنظام السوري لم يخسروا عندما بادلوا والكل لا يفهم وخاصة كل أهالي المعتقلين وهم جنود يملئون مآقي العيون والعاطفة والقلوب… أجيبونا بعقلانية بعيداً عن العواطف والمصالح !! ألا يستأهل الجنود لفتة إنسانية وموقفاً تاريخياً بالسماح للمعتقلين الإسلاميين في سجن روميه بالحرية مقابل خلاص الجنود من الاعتقال !! بربّكم أين هي العقلانية في أن ينخرط الجيش اللبناني في معركة غير متكافئة ضد الارهابيين الذين يحتمون بالمغاور في الجبال وإلى ماذا يستند الجيش والحكومة في مواقفهم؟ وهل حياة ثلاثين جندياً تساوي صفراً كبيراً أمام موقف غير مفهوم؟ أي وكما قالت بعض الأبواق لا تبادل !!! يا أخي إذا كانت مسألة اللاتبادل هي المبدأ فما هو البديل؟؟؟ البديل لا سمح الله التخلّص من كل الجنود واشعال البارود وبرميل البارود اللبناني حتى يتحوّل الوطن إلى شظايا ويصبح الجيش جزءا” من معركة ليست معركته وجزءا” من موقع ليس موقعه…
لن نشكّك ولن ندخل في التفاصيل ولكن عندما تصل الأمور الى التهديد بالثأر وتسمية الأشخاص المطلوب الثأر منهم نكون قد بدأنا في الخطوة الأولى للإنزلاق إلى الفخ الذي كان يحضّر لنا بشكل دقيق مع شعورنا العميق الحقيقي الوطني مع أهل الضحايا وهم أهلنا !! أنا لا أتصور أن هيبة هذه الحكومة يحدّدها التمسك بالقوانين اللبنانية وأمامها حياة الجنود، بينما هذه القوانين تنتحر بشكل يومي في كل الميادين ولن أزيد !! ليتهم طبّقوا القوانين وحاكموا الأسرى الإسلاميين في سجن روميه والتسويف بدأت تظهر أسبابه بشكل واضح . قليلاً من العقلانية يا جماعة… !!
أخيراً وبكل أمانة نقول: سارعوا في محاكمة المسجونين فاوضوا وبادلوا وخلّصوا الجنود … هؤلاء أبطال ورسل الكرامة قليلاً من العقلانية يا سادة !!