تحرُّك جنبلاط في دائرة الهواجس

د.بهاء أبو كروم (المستقبل)

أمام التحدّي الذي فرضته الدولة الإسلامية في العراق والشام كان من البديهي أن تشرع القوى السياسية والقيادات في لبنان والمنطقة إلى بناء مقاربة مُحدّثة لسياستها تأخذ بعين الإعتبار الوقائع الجديدة، فالمنطقة التي كانت تنتظر ما ستؤول إليه المعادلة في سوريا أصبحت أمام مسار سياسي وميداني مختلف وخَطَر يرقى إلى تهديد وجود الدول والكيانات وأسس التعايش بين الفئات في المنطقة.

طبعاً هذا التحدي من الطبيعي أن يغيّر في بعض المنهجيات والسلوكيات التي تخفف من وقع هذه المخاطر علينا كفئات وكدولة لكنه لا يغير في القناعات والرؤى التي من شأنها تحديد كيفية المواجهة والإطار المشترك الذي نتحرك من خلاله.

الأمر بالنسبة لنا ليس جديداً فالموقف من الطرح الذي يقول بتكتل الأقليات في مواجهة الأكثرية جرى نقاشه في مناسبات عديدة، ليس مع بروز الثورة السورية فحسب إنما قبل ذلك بعشرات الأعوام، والموقف ذاته لا بد من التذكير به اليوم، فالتعايش بين الطوائف والمذاهب تحكمه قواعد الشراكة الوطنية في أطر الدولة والمؤسسات التي وحدها مخولة حماية المكونات، أما الهواجس التي تنشأ من حين لآخر فعلاجها يأتي في إطار التمسك بالقواعد المشتركة وليس في البحث عن حلول انفرادية أو البحث عن ضمانات من هنا وهناك.

الدوافع التي أملت على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي القيام بتحريك الساحة الداخلية على قاعدة مواجهة التحدي الخطير الذي فرضته داعش تنطلق من ضرورة إعادة برمجة للأولويات والبحث عن أطر مشتركة لمواجهة هذا التحدي والشروع في إعادة الروح للمؤسسات الدستورية وأوّلها إجراء تسوية في الحد الأدنى تضمن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والأهم من هذا كله هو عدم فسح المجال أمام استثمار هذه الهواجس لتوظيفها في فكفكة المجتمع وفدرلة الأمن وإضعاف الدولة.

طبعاً النائب وليد جنبلاط يتحرك في إطار الهواجس التي اخذت تهدد وجود كل مَن يَختلف مع داعش بالعقيدة حتى من المسلمين السنة أنفسهم، وهذه المخاوف تتأتى من وصول داعش إلى الحدود اللبنانية وتهديدها للسلم الداخلي في لبنان. إطار التحرك الذي يقوم به الرئيس جنبلاط ليس عنوانه حماية الدروز فحسب إنما الحفاظ على لبنان وعدم فسح المجال أمام انخراط فئاته بمشاريع حماية ذاتية تكون مدخلاً لحروب أهلية تحصل بين اللبنانيين.

في الحقيقة ربما يكون من الصعب في هذه الظروف، ومع ظهور علامات ضعف الدولة، ثمة مَن يحاول إقناع الناس بالتسلّح بهدف حماية أنفسهم وقراهم، ويَدفع إلى تعميم هذه الفكرة بهدف تعميم الهواجس والمخاوف، وهناك مَن يتلو مطالعات في هذا المجال متنقلاً بين القرى ليقول بصوابية نظريته منذ البداية، طبعاً النظرية التي وصفت الثورة السورية بأنها إرهاب وخطر على الأقليات وقررت مواجهتها بتحشيد الدروز والمسيحيين والعلويين وتسخيرهم لخدمة النظام في مواجهة اخوتهم في الأكثرية السنية. ربما هنا تكمن المسألة بالتحديد، فالخطر الذي يتهدد الدروز، كما غيرهم من الأقليات، هو في إقحامهم في معركة يتحولوا فيها إلى حماة للنظام الذي يقف في مواجهة شعبه وليس العكس، ويتحملوا وزر المسؤولية عن ذلك في المستقبل.

ربما يكون من المبكر التحدث عن خلاصات ونتائج لموقف الدروز في سوريا تجاه الثورة أو النظام على حد سواء، إنما من البديهي القول اليوم بأن انخراط الدروز إلى جانب النظام في معركته العسكرية بوجه المعارضة لا يضمن عدم تعرضهم لاعتداءات، بل بالعكس يضفي اسباباً سياسية على الدوافع العقائدية التي تخاف منها الأقليات بشكل عام، كما أن انخراط الدروز مع الثورة لا يمنع في الوقت ذاته قيام بيئة متطرفة في مناطق مجاورة وحصول اعتداءات على بعض القرى، حتى لو أنه ينزع المبررات السياسية عن ذلك. الموضوع بالنسبة للدروز ليس رهاناً يؤول بهم إلى الربح أو الخسارة بل يتعلّق بحماية أسس الشراكة مع المكونات، كل المكونات. وعمليات التسليح التي قادها أزلام النظام وشبيحته في مواجهة فصائل المعارضة لم ولا تضمن لوحدها حماية الدروز. هذه هي الخلاصة التي تسحب نفسها على لبنان والتي في الوقت ذاته تجيب على الذين يقولون بالبحث عن ضمانات من هنا وهناك.

بالتالي فإن الأمر في لبنان غير قابل للاستنساخ في ظل القيادة السياسية التي تعرف أن مصلحة الأقليات ليست في التسلح وفقاً للتوجه والتوقيت الذي يقرره النظام في سوريا. ففي لبنان لا يزال هناك دولة ومؤسسات كلنا شركاء في تفعيلها وتحفيزها على القيام بوظائفها ولطالما كنا ندعو إلى استراتيجية تضمن وضع كل الإمكانيات في أيدي الدولة والجيش.

وبالنتيجة فإن الأخطار الكبيرة التي تواجه البلاد تزيد من مسؤولياتنا التاريخية في حماية الاستقرار والسلم بين اللبنانيين وتتطلّب عدم الانجرار إلى المنطق الذي يحاول الاستفراد بالمكونات واحدة تلو الأخرى.

————————————

(*) عضو مجلس قيادة  في الحزب التقدمي الاشتراكي