مفاجآت في احتفال تنصيب المفتي دريان

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

تميِّزَ الاحتفال الذي أُقيم عصر الثلاثاء 1/9/2014- بمناسبة تنصيب المفتي الجديد للجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان – بمجموعة من الاعتبارات السياسية والدينية، كان لها وقعُها المؤثِّر، وشكَّلت مفاجآت من العيار الثقيل، توقفت عندها الاوساط السياسية، واثارت ارتياحاً شعبياً عارماً يمكن له ان يُساهم في ضبضبة التشلُّع الذي يُصيب الحياة الوطنية.

فالحضور كان جامعاً من مختلف الطوائف الاسلامية والمسيحية، كذلك الامر من السفارات العربية والاجنبية المُعتمدة في بيروت، ومن القوى السياسية اللبنانية كافة، بما في ذلك مُمثلين عن حزب الله، وبرز حضور مفتي الديار المصرية الذي القى كلمة جامعة، ومِثلُها كانت مُميزة كلمة مُمثل مؤسسة الامام عبد العزيز في المملكة العربية السعودية.

ومن حيث المكان كان للإحتفال خصوصية مُتقدمة، كونه انعقد في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في جامع محمد الامين ذات الخصوصية وسط بيروت.

لعلَّ المفاجأة الاهم في الاحتفال كانت في المواقف والخطب السياسية التي القاها المُتحدثون، لاسيما منهم رؤساء الطوائف الاسلامية: المفتي دريان و رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، وشيخ عقل طائفة المُوحدين الدروز نعيم حسن. واهمية الخِطب انها جاءت فيتوقيتٍ مِفصلي يَمرُّ به لبنانوالمنطقة المُحيطة به.

ومن اهم هذه المفاجآت، دعوة الامام عبد الامير قبلان الى إقامة دولة مدنية في لبنان، وذلك يُشكلً جديداً مُتقدماً في طروحات رجال الدين المُسلمين، وتحديداً كون الدعوة جاءت من قبلان بالذات الذي يتمتع بمكانة مُتقدِّمة بين رجال الدين في لبنان، وكلامه يتعارض تماماً مع المُقاربات الأُخرى المطروحة في الاوساط الاسلامية الشيعية، وتحديداً موضوع “ولاية الفقيه”. ومفاجأة قبلان الثانية كانت في دعوته الى سحب السلاح من ايدي الجميع وحصره بالقوى الشرعية اللبنانية من جيش واجهزة امنية أُخرى. ذلك ان المَعني بالدرجة الاولى من هذه الدعوة هي الساحة التي ينتمي اليها قبلان والبيئة التي تُحيط به.

امَّا كلام المفتي الجديد الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان فكان مُتقدماً، وبيَّن عن ادراكٍ واسع لمكامن الخلل الذي يعتري الحياة اللبنانية، وكذلك للمهابُط الفجَّة التي تضرُبُ بعض البلدان العربية والاسلامية.

دريان الذي اطلَّ بِأناقةِ باهية مُكلَّلةبالعمامةِ البيضاء وربطَةِ العُنق الحمراء الزاهية، فاجأ الحاضرين بإعلانه مجموعة من الثوابت الاسلامية، منها طروحات تؤكد على وصف الشيخ قبلان له: “بأنه مفتي المُستبقل”.

ما هي اهم التاكيدات الجديدة للمفتي دريان؟

اولاً: احترام اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية بين اللبنانيين في العام 1990. ثانياً: محاربة الارهاب بكلِ اشكاله، بما في ذلك – وبالدرجة الاولى – الارهاب الذي يُمارس بأسم الدين الاسلامي. ثالثاً: الدعوة الى الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

الا ان المفاجأة الاهم في خطاب المفتي الجديد – والذي يُشكلُ جديداً بارزاً يُعطي الامل وسط الاجواء المُعتِمة– كان اشارته الى الالتزام بوثيقة الازهر الصادرة بتاريخ31/1/2013، وهذه الوثيقة ترقىَ بأهميتها الى مصافِ الشُرع العالمية المُتقدمة في مجال حقوق الانسان، وهي صدرت بحضور ممثلي المُجتمع المصري كافة، بما فيهم بابا الاقباط البطريرك تواضروس.

وما يُزيد من اهمية خطاب دريان اعلانه التمسُّك بمنظومة الحريات الصادرة عن الازهر الشريف ايضاً بتاريخ 8/1/2012، لاسيما ثوابتها الاربعة التي تتحدث عن حرية العقيدة الدينية، وعن حرية ممارسة الشعائر والعبادة، وعن حرية البحث العلمي غير المُقيَّد، وحرية الابداع الفني والادبي. وممارسة هذه الحريات من دون قيودٍ ومعوقات تفرضها بعض الجماعات التي تتلطى تحت عباءة الدين، وفي حقيقة الامر تمارس سياسةً رجعية لا تمتُ الى الدين الحنيف بِصلة.

هذه التأكيدات المُتقدِّمة تأخذ ابعاداً تبعث على الارتياح، لأن الاختلال العقائدي الذي تمارسه بعض الجماعات المُتطرفة، يكاد يُفسِد الود القائم منذ مئات السنيين بين المكونات المُجتمعية للشعوب العربية، وهذا الاختلال يسمح لتغلغُل افكار غريبة عجيبة الى بعض الجماعات والطوائف، قد لا يتمكَّن العُقلاء من ضبطها، اذا ما تفلَّتت الامور اكثر.

وتأتي اهمية التمسُّك بالقيم الازهرية الراقية لتدفع الى الامام مساعي الدعوة لعقد قمة روحية عالمية في رحاب الازهر في القاهرة، يحضرها مُمثلين عن الفاتيكان وقادة الكنائس الشرقية الأُخرى، ومندوبين عن المرجعيات الاسلامية الاساسية في مكة والنجف وقُم اضافة الى الازهر، هدفها إدانة التعرُّض للمسيحيين وللاقليات الأُخرى، والتأكيد على الوحدة الاسلامية بعيداً عن الشرذمة والتفرقة والتطرُّف.

فهل تكون مناسبة تنصيب المفتي الجديد في لبنان فاتحةُ خير تُقفِل الابواب امام الافكار الدخِلية وتزرع روح الثقة المُتزعزِعة بين ابناء الشعب العربي الواحد؟

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية