الحرب الأميركية على العراق وتأثير اليورانيوم

محمود الاحمدية

 منذ عدة أسابيع جاءتنا أخبار مرعبة بكل المقاييس وهي ان نسبة  الاصابات بالسرطان في مدينة البصرة العراقية تعادل ثلاثة أضعاف الاصابات نفسها بالسرطان في المدن العراقية الآخرى. وبالبعد العلميّ والاستقرائي كانت مدينة البصره هي الهدف الأكثر تعرضاً في كل أنحاء العراق للقذائف والقنابل الاميركية والبريطانية والتي تحمل مادة اليورانيوم المخصّب مما يجعلنا نتأكد بأن مفاعيل اليورانيوم المخصّب على البشر والبيئة لا تظهر بسرعة ولكنها مع مرور السنين تظهر تأثيراتها الخطيرة على البيئة والبشر، مما يجعلنا نعود وللذكرى فقط الى أيام سوداء تعرض فيها العراق الى تلك الهجمة الاميركية الظالمة.

منذ ربع قرن، فجر يوم 17-1-1991 الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، بدأ الهجوم الاميركي البريطاني على العراق وكانت قوة النيران اسطورية، وكان الاستعمال الخطير وللمرة الاولى في تاريخ الحروب لاسلحة جديدة متطورة هي قذائف اليورانيوم المخصّب المشعّة، وتأثيرها المرعب يطاول البشر والشجر والتربة.

واليورانيوم المخصّب هو عبارة عن نفايات نوويّة مشعّة تتولد من عملية تخصيب اليورانيوم (يو-238) المستخدم كوقود للمفاعلات النووية وقدرته الاختراقية والحرارة العالية التي تواكبه جعلتا امكان استعماله في صناعة القذائف الخارقة للدروع مميزة في عالم الحرب.

وكانت فرصة للولايات المتحدة ان تتخلص من النفايات الناتجة عن عملية تخصيب اليورانيوم لاستعماله كوقود للمفاعلات النووية وذلك عبر تصنيعه وللمرة الاولى عبر شركة” هاني ويل” عام 1977 .

وبعد انقضاء الحرب الاولى على العراق,أفادت اعترافات اميركية وبريطانية أدلى بها رئيس معهد الأمن القومي في واشنطن وليم ام. أريكسون ووزير الدفاع البريطاني مالكوم ريفكاند، ان ثمة كمية تصل الى 300 طنا من اليورانيوم المخصّب قد ألقيت على العراق، أمّا جمعية ” السلام الأخضر” الاميركية ومؤسسة لاركاً الهولندية، فقدرتا الكمية الحقيقية ب 800 طن تقريباً. وعلى أثر نهاية الحرب الاولى على العراق ومضي قرابة سنة، بدأت الآثار المدمرة والمرعبة تظهر على الشعب العراقي. خمسون ألف طفل عراقي ماتوا خلال عشرة أشهر ويشهد على ذلك تقرير وضعه ثلاثة اختصاصيين اميركيين بكدوسكي، لوبيز، وماكجهي خلال شهر أيار 1993 .

وكانت الولادات لأجنّة مشوّهة، والامراض الغامضة والحالات السرطانية، والشرود الذهني, وفقدان الذاكرة، ومرض الماء الابيض في العين، وفقدان البصر المبكر عند الاطفال، وعجز الكليتين، وتأخر النمو عند الاطفال، والمناظر التي تقشعر لها الأبدان ويرتجف لها الضمير لدى رؤية اطفال باطراف متعددة، وبثلاث أياد وست أصابع، اضافة الى التشوهات في كل الاتجاهات،مما خلق اجواءً مرعبة حتى لدى الاطباء المعالجين وفي المستشفيات التي استقبلت هذه الحالات والتي لم تشهد لها كل حروب التاريخ مثيلاً.

ولم ترحم هذه الآثار الجنود الاميركيين والبريطانيين, فكانت أعراض مماثلة لما اصاب الشعب العراقي. وقد أكّد علماء بريطانيون ان مادّة اليورانيوم المخصّب مسؤولة عن اصابة بعض الجنود بأمراض الكلى، بالاضافة الى آثار طويلة الأمد على البيئة الملوثة. وقد أشار التقرير الذي قدمه باحثان في الجمعية الملكية البريطانية (خلال عام 2002 ) الى وجود عواقب بيئية لهذه المادّة، بحيث أنّ نحو 250 طناً من اليورانيوم المخصّب ما زالت مطمورة في التربة وهي تنتقل الى المياه والمزروعات والحيوانات، مما يدمّر كلّ الخصائص الطبيعية للتربة. ونتيجة قصف المعامل أثناء حرب العراق كمعمل البتروكيميائيات ومحطات الكهرباء وشبكات المجاري ظهرت غيمة سامّة ملوثة أثّرت في الحيوانات والنباتات والمياه وكوّنت الأمطار السوداء، مما ساعد في نشر التلوث والسموم. كذلك من خلال تحرير كميات من الكازولين والكبريت والكاربون وغيرها، تفاعلت الأكاسيد في الجو مع بخار الماء وكانت الأمطار الحمضية مما أثّر بطريقة مرعبة بالبيئة والسكان، وانتشر التلوث الذي طاول المياه السطحية والجوفية والهواء والنباتات.

وهنا أودّ باختصار شديد ان ألقي الضوء على الحرب الاميركية البريطانية الاخيرة على العراق، فالقنابل كانت اكبر وزناً وأشد خطورة، والاساليب أكثر رعباً وكميات اليورانيوم المخصّب المستعمل كانت أشدّ خطورة وتعقيداً وأن غداً لناظره قريب لكي نرى الاثار البيئية المدمرة على ارض العراق والجوار من جراء استعمال الاسلحة المرتكزة على اليورانيوم المخصّب… ويكفي للدلالة  على هذا القول انّ ستين الف جندي اميركي وثمانية آلاف جندي بريطاني أصبحوا معاقين من جراء اصابتهم باليورانيوم المخصّب وذلك استناداً الى كلام موثّق أكّده وتحمّل مسؤوليته الجنرال الأميركي دا غروكي الذي كان مسؤولاً عن تنظيف الخليج العربي من آثار اليورانيوم المخصّب من قبل وزارة الدفاع الاميركية وذلك بعد الحرب الاولى على العراق…

وأجدها فرصة لاطلاق الدعوة الى كل البيئيين في لبنان والمحيط العربي والعالم أجمع كي يرفعوا الصوت عالياً امام الاميركي المتعجرف الذي يعرف جيداً ان المواثيق الدوليّة كافة حرّمت استعمال اليورانيوم المنضّب من اتفاق لاهاي 1899 واتفاق جنيف 1949 ومبادئ ميثاق نورمبوزع 1945 وآخرها المحكمة الخاصة بالجرائم المرتكبة في يوغوسلافيا والتي تقول: “أن قواعد القانون الدولي والانساني تحرّم استخدام الاسلحة التي تسبب أضراراً شديدة واسعة الانتشار وبعيدة المدى للبيئة.”

ومادة اليورانيوم المخصّب والتي استعملتها الولايات المتحدة الاميركية في الحروب على أفغانستان وكوسوفو في البلقان والعراق هي وبكل المقاييس أسلحة تتجاوز المواصفات التي طرحتها المحكمة الخاصة في يوغسلافيا، مما يجعلنا نتساءل وبطريقة أصبحت مملة وغير واقعية أين هو دور الامم المتحدة وأمينها العام في الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة على سطح هذا الكوكب؟ وهل سيبقى منبر الأمم المتحدة قاعدة أميركية تطبق بشكل يوميّ سياسة التمايز والاستنسابية ومبدأ الصيف والشتاء تحت السقف الواحد؟

تأملنا كثيراً من الرئيس أوباما ولكن الحقيقة المرّة أثبتت وتثبت المبدأ القائل: “فتش عن الصهيونية”. كل مبادئ أكثرية رؤساء الولايات المتحدة ماتت على ضفاف مصالحها عبر هذا العالم.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة