الشباب العربي: هل التغيير ممكن حقاً؟

رامي الريس

الاجابة عن السؤال المطروح في العنوان صعبة ومحفوفة بالمخاطر للعديد من الأسباب. أوّلُ تلك الأسباب أن آفاق التغيير في العالم العربي إتخذت مساراتٍ عنفيّة مع دخول لاعبين جدد إلى ساحات الصراع ممن لا يلتزمون بأي من قواعد الصراعات التقليديّة ويضربون عرض الحائط كل المواثيق والقرارات الدوليّة وفي طليعتها حقوق الانسان، لا بل إنهم يرتكبون جرائم حربٍ وإبادة جماعيّة بأبشع صور القتل والاعدام.

طبعاً من نافل القول أن حقبة ما قبل دخول المنطقة العربيّة في الفوضى لم تكن أفضل من حيث فرص التغيير مع إطباق الأنظمة الديكتاتوريّة على كل مفاصل الحياة السياسيّة والوطنيّة في البلدان العربيّة، وهي الأنظمة المسؤولة عن وصولنا إلى هذه المرحلة من الترهل بسبب إقفالها كل منافذ التغيير وإفراغ مجتمعاتها من النخب السياسيّة والشبابيّة على حدٍ سواء.

أما ثاني تلك الأسباب فيتعلق بأسس تركيب المجموعات الشبابيّة بشكل عام وهي التي لم تسنح لها الظروف بأن تنظم صفوفها في معظم الدول العربيّة وأن تؤطر طاقاتها في أحزابٍ سياسيّة أو هيئاتٍ مدنيّة أو إجتماعيّة ترفع من خلالها رؤيتها للتغيير والاصلاح والعمل السياسي. ومن الطبيعي أيضاً أن تكون الأحزاب السياسيّة العربيّة (واللبنانيّة من ضمنها، حتى لو صُنّف هذا الكلام من باب النقد الذاتي المطلوب) بفعل العديد من المسببات غير قادرة على إستقطاب الشباب ومنحهم الأدوار الكافية في المجال السياسي.

وثالث تلك الأسباب هو دخول العامل الديني إلى صلب العمل السياسي وإستغلال الشباب لمآرب سياسيّة بعيدة عن الدين الذي يُستخدم من قبل بعض المجموعات إلى مجرّد شعارات مشوهة يتم التلطي خلفها لتحقيق الغايات المشبوهة. وقد أدّى ذلك لتوسل العنف من قبل المجموعات المتشددة كوسيلة للتغيير (نحو الأسوأ بطبيعة الحال) بعد الاستفادة من غياب النخب الشبابيّة بسبب سياسات الأنظمة القمعيّة وفشل كل محاولات التغيير السلمي التي قوبلت من السلطة بالمطلق بالعنف والقمع.

ورابع تلك الأسباب أن الشباب العربي نادراً ما يُعرّف نفسه على أنه شاب، إذ تسبق ذلك مستويات أخرى من الهويّة المركبّة، فهو قد يرى نفسه تونسيّاً أو سوريّاً أو مغربيّاً قبل أن يرى نفسه شاباً، أو أنه قد يُعرّف عن نفسه سنيّاً أو شيعيّاً أو مسيحياً أو سوى ذلك قبل أن يُقدّم نفسه على أنه شاب. وهذه الاشكاليّة الكبرى تجعل من الهويّة المركبة عائقاً أمام إمكانيّة تطوير أطر عمل سياسي شبابي عربي جامع.

لا شك أن قيادة الشباب لمشروع التغيير في مصر قد زاد من إحتمالات رفع مستويات الوعي عند الشباب ومن قدرتهم على إدارة مسار التحوّل الديمقراطي في المجتمع، ولا يزال دور الشباب المصري لغاية اليوم متقدماً من حيث أنه يُشكل مثالاً لسائر الشباب العرب، ونجاحه يترك إنعكاساتٍ إيجابيّة على الواقع العربي العام، تماماً كما سيترك فشله تداعيات سلبيّة على هذا الواقع ككل.

وخامس تلك الأسباب يتصلُ بالوضع العربي عموماً الذي يعاني ما يعانيه من فقر وأميّة وجهل قبل أن يغرق في موجات الفوضى الراهنة. فنسبة الأميّة في العالم العربي لسنة 2014 بلغت حوالي 19 بالمئة أي ما يعادل تقريباً 96 مليون نسمة. ونسبة البطالة في العالم العربي بلغت 11.5 بالمئة، وهي نسب مرشحة للارتفاع بطبيعة الحال بفعل حالة الاضطراب الأمني التي تشهدها العديد من البلدان العربيّة والتي أدّت إلى تعطل الاقتصاد وتهجير موجات من النازحين تُقدّر بالملايين من السكان.

أما موازنات البحث العلمي في العالم العربي، فإن الانفاق عليها لا يتجاوز 0.3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بإستثناء تونس والمغرب حيث ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 0.8 بالمئة، في حين أن هذه النسبة لا تقل في أوروبا عن 1.8 بالمئة. هذه الأرقام المستقاة جميعها من تقارير الأمم المتحدة تعكس شيئاً من الواقع العربي المأزوم والذي يعيش تحوّلات غير مسبوقة على كل المستويات.

ولكن يبقى الأمل قائماً، لأن البديل الوحيد هو الانهزام والاستسلام!

————————————-

(*) خلاصة أفكار قٌدمت لندوة نقاشيّة حول “الشباب والتغيير في العالم العربي” في إطار المخيّم الصيفي لإتحاد الشبيبة الاشتراكيّة الديمقراطيّة في العالم العربي الذي إستضافته منظمة الشباب التقدمي في المدينة الكشفيّة في عين زحلتا في 6 أيلول 2014.

————————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!