دور المجتمع المدني في التغيير

احمد حسان (الانباء)

لا يكفي أن يتمظهر النظام السياسي في دولة ما بمظاهر الديمقراطية لكي يصبح ديمقراطياً، حتى بوجود برلمان منتخب بالإقتراع العام، وبحكومة مؤلفة وفقاً للدستور وتمارس صلاحياتها وفقاً للقانون، وبأحزاب سياسية ونقابات عمالية وصحف ومطبوعات دورية وجمعيات مجتمع مدني ونظام إقتصادي حر وغيرها…بل العبرة هو في أن تدْخل الدولة نفسها في آليات العملية الديمقراطية، وبما هي مكونة من سلطة سياسية ومؤسسات ومجتمع مدني.

إن التحول الديمقراطي في مجتمع الدولة يتطلب وجود حق للتجمع في تيارات ثقافية وفكرية وسياسية تؤسس لحراك وطني تغييري يكفل وجود مناخ صحي للحوار حول كافة القضايا الوطنية، وبين مختلف التيارات السياسية والفكرية، على أن يشكل المجتمع المدني فيه الأرضية الخصبة التي تترعرع فيها قيم ومفاهيم ومؤسسات العمل الديمقراطي السليم التي تمهد لقيام شراكة حقيقية بين النظام السياسي في الدولة، كمكون أساسي للسلطة السياسية بمؤسساته وإداراته وأجهزته المختلفة، وبين المجتمع المدني بأحزابه ونقاباته ومؤسساته وتياراته السياسية والفكرية والثقافية والتربوية.

 إن أهمية ذلك تكمن ليس فقط في تفعيل حوار جدي وحقيقي بين مكونات الوطن، بل في ضبط عملية التغيير المتواصل والمساهمة في تطوير بنية النظام السياسي، وبنية المجتمع المدني على حد سواء، وبما يحصن الدولة بوجه الإضطرابات الإجتماعية والإقتصادية العنيفة، ويحافظ على التوازن بين مختلف مكوناتها.

إن الحق في التجمع والتنظيم هو من الحقوق الأساسية التي أقرتها التشريعات الدولية، ونصت عليها معظم الدساتير في لبنان والدول العربية، ولكن يبقى نطاق الممارسة الحرة والديمقراطية لهذا الحق مجتزأ ومكبلاً بقوانين وأنظمة وقرارات وممارسات أفقدته روحيته وأهدافه الحقيقية، وحصرت مشاركته في الإطار التقليدي العام حيث يسمح المشاركة في الإقتراع دون الإنتخاب، وحيث يسمح المشاركة في الإحتفالات الرسمية والإجتماعية والمظاهرات الوطنية، لكن دون المشاركة في وضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة.

مناسبة هذا الكلام هو النوايا الصريحة التي يجاهر بها أعضاء مجلس النواب اللبناني للتمديد لأنفسهم ولاية نيابية ثانية بعد التمديد الأول لسنة ونصف لم يجتمعوا خلالها سوى لمرات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولأسباب وأهداف لا علاقة لها من قريب أو بعيد باهتمامات وحقوق وشؤون ومطالب المواطن اللبناني الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية والأمنية. والخطورة في ذلك هو أن التمديد لم ولا يستند لأية ظروف إستثنائية تبرر ممارسته من الناحية الدستورية والقانونية، بل إن هذا التمديد يناقض قواعد الدستور وأبسط المبادىء والأعراف القانونية، وهو تجاوز فاضح لحد السلطة والوكالة التي منحها المواطنون لهؤلاء النواب عبر صناديق الإقتراع، والغريب أن كل ذلك يجري دون أي إعتبار لآراء هؤلاء المواطنين ولا لجمعياتهم وأحزابهم ونقاباتهم وتحركاتهم، متسلحين في ذلك بغياب فعالية هذه المؤسسات وعجزها عن أخذ زمام المبادرة في محاسبة هذه الطبقة السياسية وأصحاب النفوذ السياسي والطائفي والمالي فيها.

إن السبيل الوحيد أمام المجتمع المدني لترجمة حقه في التغيير وفي الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية، يكون في تطوير دوره وآليات عمله إنطلاقاً من حقه في المشاركة على قاعدة الديمقراطية التشاركية ووفق آليات دستورية وتشريعية تحدد الحقوق والواجبات وتعيد بناء التوازن بين دور السلطة السياسية في الدولة، ودور المجتمع المدني فيها.

ستبقى هذه المطالبات صرخة في الصحراء طالما بقي المجتمع ومؤسساته المدنية من أحزاب وجمعيات ونقابات على إرتهانها وإنقساماتها السياسية والطائفية والفئوية وطالما بقي الوطن بالنسبة لأبنائه مكاناً للعيش فقط.