لبنان: خطابات المكابرة وخيوط التفاؤل الرفيعة

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

حملت الاتصالات السعودية – الايرانية – وتحديداً ما تمَّ تسريبه عن لقاء الامير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية مع نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان في مدينة جدة – خيطاً رفيعاً من التفاؤل، قد يحمل بعضاً من الحلول للمعضلات الكبيرة التي تُكبِّل الوضع اللبناني. والمساعي التي يقوم بها رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط مع الرئيس نبيه بري – والتي اعقبت اجتماعات عقدها جنبلاط مع الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، وستُستكمل بالاجتماع الى الرئيس امين الجميل والدكتور سمير جعجع – تحمل محاولات قد تُفضي الى شيءً من التوافق على حل مسألة الفراغ غير المقبول في موقع رئاسة الجمهورية.

لكن قدر الساحة اللبنانية على الدوام ان تتحمل نتوءات مُسنَّنة تفعل فعلها، وتُحدثُ خدوشاً مؤلمة في المزاج اللبناني العام، وتحمل سلبيات تُربك الاوساط الشعبية والسياسية، وتساهم في انتاج موجات التشنج التي تأسُرُ السياسيين في غالب الاحيان.

الاوساط السياسية التي تراقب طريقة انسياب الاتصالات السياسية، ترى ان اخطاء كبيرة ترتكبها بعض القوى السياسية الفاعل، لا تتماشى ابداً مع خطورة ما يجري من احداث وتطورات ليست عادية في مختلف المقاييس. فالوطن اللبناني مُهدد بشكلٍ دائم من العدوان الاسرائيلي، وهو مُهددٌ من العدوان التكفيري – الداعشي المُستجد، وهو على شفير التفكُّك من جراء المُستجدات الاقليمية المُحيطة والتي تُساهم في تفتيت القوى الداخلية.

ووسط النيران التي تقترب شيءً فشيءً الى الساحة اللبنانية، ترى هذه الاوساط المراقبة، ان مجموعة كبيرة من القوى السياسية تتعامل بإستخفاف، وتواجه تحديات مصيرية تُهدد مستقبل الدولة بمواقف تشبهُ تسلية الهواة، وبعيدةً عن الحِرفية المسؤولة. وتعطي الاوساط المراقبة مجموعة من الامثلة على مواقف بعض السياسيين مما جرى مؤخراً:

مع تسريب خبر عن خطة حزب الله للإنسحاب من سوريا – وهو خبر محل ترحيب من اللبنانيين – كانت بعض الاصوات تشنُّ هجمات سياسية عليه ، لا تتلاءم مع سياق ما يجري، خصوصاً ان الانسحاب اذا ما تمّ، يمكن ان يُقفل نافذةً ادخلت الى البلاد رياحاً مؤلمة على مدى السنتين الماضيتين. بالمقابل فإن مبالغة نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في تحميل قوى 14 آذار مسؤولية الفراغ الرئاسي، لا تستدعي رداً استُخدمت فيه العبارات القاسية، كما جاء في كلام النائب احمد فتفت.

وعلى الضفة الاخرى، فإن تشبيه حزب الله والتيار الوطني الحر بحركة ” داعش ” مغالطةٌ أُخرى تضاف الى محفظة سجالات التوتير، ولكن الامر لا يحمل بالمقابل توجيه تحية الى “شهداء المقاومة الاسلامية” الذين سقطوا في سوريا دفاعاً عن لبنان، كما جاء في احدى خطابات المُكابرة لنائبً جبلي الاحد الماضي.

وترى الاوساط المراقبة ذاتها: ان اعلان النائب وليد جنبلاط عن مساعي يقوم بها بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري لإيجاد مخارج للإنطباق الواقع في ملف رئاسة الجمهورية، لا يستدعي الانفعالية التي قوبل بها من قبل بعض النواب في التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ذلك ان جنبلاط ينطلق في مساعيه من احترام موقع البطريركية المارونية بالدرجة الاولى، وهو طالب “المطبخ السياسي عند الموارنة” بالاتفاق على مُرشح للرئاسة، وهو او مَن سيسهل له الطريق.

ان مجموعة الاخطار التي تُحيط بالاوضاع في لبنان، تحمل على القلق الشديد، فبعض الاحداث التي وقعت، ووجود مجموعات مُسلحة لها نفوذها على طول البلاد وعرضها وبعضها مدعومةً من حزب الله، وانفلاش اللاجئين السوريين الواسع والذي قد يتم استغلاله – كما حصل في عرسال – يمكن ان يتحول بين ليلةٍ وضحاها الى كابوسٍ مُخيف يُطيح بالاستقرار اللبناني برُمته.

امَّا اقتراح تعديل الدستور الذي تقدم به نواب التيار الوطني الحر، فإن الاوساط السياسية المُراقبة ترى فيه رفاهية سياسية، فيها من الاسترخاء ما يستدعي حسد مُقدميه، ذلك ان البلاد في اوضاعٍ متوترة، والانقسام السياسي واسعٌ الى حدودٍ بعيدة، بينما تعديل الدستور يحتاج الى توافق وطني شامل. وبصرف النظر عن مدى مُلاءمة الاقتراح المطروح للخصوصية اللبنانية، هل يرى مُقدموا الاقتراح ان الموانع السياسية التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية، قد تُزال من امام تعديل الدستور الذي يحتاج الى نفس النصاب، اي ثلثي اعضاء البرلمان.

ان المكابرة السياسية في الزمن الصعب فيها شكل من اشكال المُغامرة غير المحسوبة النتائج، فالتماسك الوطني يستدعي تضحية شخصية وحزبية، والحفاظ على المسيحيين ودورهم المُتقدم، لايعني بإي حال تغليب لغة الخطابات الشعبوية، والتي غالباً ما تأتي بالنتائج المُعاكسة.

ودائماً وفقاً للاوساط السياسية المُتابعة فإن الاعتدال في طرح الامور في هذا الزمن الصعب، وحده الكفيل بإخراج البلاد من النفق المُظلِم، اما خطابات المكابرة فقد تقطع خيوط التفاؤل الرفيعة.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل