إنما التطرف والإعتدال… سياسة!

د. خلدون الشريف (البيان الطرابلسية)

التطرف له جذور تتغذى على مزيج من المظالم والتطلعات (عبد الباري عطوان)

في إطار حملة كونية منظمة بدقّة، يرتفع منسوب تضخيم قوّة وغنى وتعداد تنظيم “داعش” الذي كسر حدود سايكس بيكو بين سوريا والعراق، وسيطر على مساحات تعادل ثلث كل من البلدين…

وفي إطار الحملة نفسها، بدأ الحديث عن ضرورة إنشاء تحالف أممي يجمع الشرق والغرب والشمال والجنوب لمواجهة “التطرف” بشتى الوسائل العسكرية والسياسية، وحتى الدينية على حدٍ سواء.

أحدٌ لم يأتِ على شرحٍ معمقٍ للقيمِ والأفكارِ والفقه والشرع، بل تمّ الكلام عن تعقيدات سياسية أدّت إلى تهميش “عشرين مليون سني في العراق وسوريا”، كما أشار رئيس أركان الجيش الأميركي ديمبسي، ممّا يؤشر إلى أنهم يجدون في التطرف ولداً شرعياً للمظالم والتهميش السياسي.

المعركة إذن تدور بين من يحاول الهيمنة بشتى الوسائل على تاريخ وجغرافية وثروات، وقبل كلّ شيء الهيمنة على القرار، وبين من يريد منعه من السيطرة بشتى الوسائل ولو اقتضى الأمر خراباً ودماراً وإجراماً.

وإلى الآن النزاع يقوم على قاعدة من يهيمن وكيف؟ أما من يؤمن بضرورة التلاقي والتشارك في صنع القرار، فهو خفيض الصوت ومحدود القدرات، لأنّ مساحات التلاقي غير متاحة مع ارتفاع صوت قرقعة السلاح. وضمن هذا المناخ، يجد المسلمون كل المسلمين أنفسهم في موقع الخسارة.

إن التطرف والإعتدال برأيي ظاهرتان سياسيتان أكثر منهما دينيتين، لأنّ النصوص لا تكفي لتوليد تطرف آلي. فالنصوص تساهم في نفخ الروح فيه، لكن أصله سياسي مرتبط بمظالم أو مطالب أو مصالح خارج الإطار الفكري وضمن الإطار السياسي الصرف. فإذا تقاطع العامل الديني والسياسي تولّد العنف تلقائياً، وآيات العنف موجودة في غير الإسلام، والحروب الأوروبية اتخذت الطابع الديني والعرقي وسواه، لكن العمق كلّ العمق في المطالب والمصالح لكل عنف.

إذن وبالعودة إلى السياسة، قد يقال لولا “داعش” لما أتت إيران إلى مائدة التفاوض الإقليمي، ولولا “داعش” لما بذلت الأموال لإثبات الإسلام المعتدل. فهل نشهد مرحلة التشارك الإقليمي بدل صراع النار بالنار؟ وهل نحن أمام مرحلة إبراز جدي “للإعتدالات” بالمعنى السياسي؟ القادم من الأيام سيكشف ما كان خافياً.