ماذا يدور في كواليس ملف العسكريين المخطوفين في عرسال؟

فيما تتوالى الأخبار المرعبة من العراق وسوريا حيث تتواصل المعارك المدمرة للبشر والشجر والحجر  انشغلت الكواليس السياسية اللبنانية بمتابعة ملف العسكريين المخطوفين من عرسال.وفي هذا السياق أكدت مصادر دبلوماسية في بيروت متابعة لأروقة الكوليس لملف العسكريين المخطوفين في عرسال بأن الإتصالات والمشاورات الخارجية بشأن الأزمة اللبنانية والتي حصلت أثناء وبعد الأحداث الأخيرة التي وقعت عرسال قد أجمعت على ضرورة التحرك السريع لتطويق هذه الأحداث وتوفير كل دعم أمني وسياسي من شأنه يقوى الجبهة الداخلية في مواجهة الإرهاب. مضيفة بأن الإتصالات والمشاورات الخارجية بشأن الوضع اللبناني كانت مجمعة على ضرورة توفير كل ما الدولة اللبنانية من  دحر الإرهاب التكفيري ومن ضمن هذا السياق تأتي مسألة توفير كل سبل الدعم للجيش اللبناني الذي يحتاج إلى الكثير من الدعم الذي يعزز امكاناته وتطوير قدراته العسكرية في السلاح والعتاد الحربي الحديث بالإضافة إلى الأجهزة والتكنولوجيا الحربية الحديثة وذلك  ضمن مشروع دعم دولي وإقليمي ثابت ومستمر للبنان وجيشه كي يكون الجيش اللبناني في وضع أفضل لحماية أمن واستقرار أرض وحدود لبنان في مواجهة الإرهاب التكفيري.

المصادر أضافت بأن داعش وأخواتها من التنظيمات الأصولية التكفيرية الإرهابية ليست مولودة من عدم ولا تتحرك خبط عشواء بل ثمة رأس يدير ورقة التنظيمات الإرهابية في المنطقة وهذا الرأس عبارة عن أجهزة استخبارات إقليمية ودولية تتحكم بسلوكيات ونزعات التنظيمات الإرهابية  وأن كانت بعض العناصر المسلحة في تركيبة تلك التنظيمات تتجاوز أحيانا الخطوط الحمراء وتخرج قليلا عن السيطرة إلا أن ذلك لا يلغي أبدا بأن هناك من يبقى يستطيع أن يمون على تلك التنظيمات وما صفقة الصحافي الأميركي التي تمت مع المسلحين الإرهابيين بمسعى من دولة قطر إلا دليلا ساطعا على ذلك.ولفتت  بأن  ما جرى في بلدة عرسال وجرودها في منطقة البقاع الشمالي القريبة من الحدود اللبنانية –  السورية قد حملت معها دلالات أقلقت المجتمع الدولي الذي تحرك بسرعة لدى القوى المؤثرة في الساحة اللبنانية من أجل استخدام نفوذها من أجل منع توسع رقعة الإرهاب التكفيري باتجاه لبنان الذي هناك حرص لدى المجتمع الدولي للنأي بساحته عن حمم براكين المنطقة التي تزداد سخونة وخطورة على وقع تمدد وتعزيز قوة الحراك التكفيري في العراق وسوريا على يد تنظيم “داعش” الذي كان لبروز اسمه في معارك عرسال أثرا ترك قلقا كبيرا عند كافة القوى المعنية بأمن لبنان واستقراره.

مشيرة بأن ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى جبهة النصرة وتنظيم داعش بعد معركة عرسال المشبوهة بتوقيتها وأبعادها وخلفياتها وأهدافها هو ملف أكثر صعوبة وتعقيدا كون الوسيط الإقليمي الذي سيتدخل لحل هذا الملف هو الوسيط نفسه الذي أعطى الضوء الأخضر في مكان ما للمسلحين بالتحرك نحو الأراضي اللبنانية  في عرسال وجرودها وذلك لحسابات ومصالح مرتبطة بالصراع الإقليمية الدائر في المنطقة عموما والذي تشهد سوريا منذ أعوام أكثر ساحاته سخونة ودموية. لذلك وبحسب المعلومات المتداولة في كواليس هذا الملف فأن المسلحين الذين سيكون هناك وسيطا إقليميا  بينهم وبين الدولة اللبنانية سيأخذون كل وقتهم لإدخال كافة الملابسات السياسية المتعلقة بالصراع في سوريا لزجه في ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين… وبطبيعة الحال فأنه على راس أولوية المطالب  التي ستكون مطروحة في بازار الوساطة هي مسألة مشاركة حزب الله في القتال في سوريا وهذا الموضوع سبق أن كان مطروحا ضمن بازار الوساطات التي جرت في ملف مخطوفي اعزاز وليس من المستبعد أن يكون مجددا مطروح إلى جانب المسائل الأخرى المتعلقة بمطالب الخاطفين وهي الإفراج عن الإرهابي عماد جمعة و الافراج عن اسلاميين موقوفيين خطيرة ملفاتهم وارتكاباتهم من دون محاكمة في سجن رومية، ومن غير المستبعد أن تشمل هذه المطالب ايضاً مسألة الافراج عن موقوفين في السجون السورية.

المصادر قالت بأن انتهاء معركة عرسال على النحو الذي انتهت إليه لا يعني أبدأ بأن لبنان قد تجاوز قطوع الخطر الإرهابي الذي يهدد امنه واسقراره ووسلمه الأهلي بعواقب وخيمة فيما لو تساهل او استخف أهل السلطة والقيادات السياسية والأمنية بخطر وباء الخطر التكفيري الذي لا يزال يعمل ويجهد على توسيع رقعة عملياته الإرهابية نحو كافة أرجاء المنطقة ولبنان هو أحد البلدان الذي تضعها التنظيمات الإرهابية لا سيما داعش وجبهة النصرة وكتائب عبد الله عزام ضمن لائحة  حراكها الإرهابي الذي ينطلق في الأساس من سوريا باتجاه دول المحيط والجوار عموما وباتجاه لبنان خصوصا. مضيفة بان ما جرى في عرسال قد يكون انتهى في عرسال وليس في كل لبنان ما يعني بأن ما  شهدناه في صيدا وطرابلس ولا حقا في عرسال قد يتكرر في مناطق أخرى أو في نفس المناطق، وهذا الأمر مرهون بقدرة الإرهابيين وخططهم الهافة إلى التوغل ضمن المجتمع اللبناني من  أجل إيجاد الثغرات في داخله لبناء البؤر الإرهابية التي تتحرك انطلاقا منها لتنفيذ مخططاتها الإرهابية التي في مكان ما تحركها أجهزة استخباراتية إقليمية لديها أجندات مرسومة وأهداف محددة تسعى لتحقيقها في لبنان ومحيطه وجواره من خلال ورقة الإرهاب التكفيري التدميري التقسيمي لمكونات الدول العربية وحدودها وسيادتها وحريتها.

من جهة أخرى،وفي غياب الحدود السياسية بين الواقع اللبناني الداخلي والوضع الاقليمي المعقد المحكوم بالتناقضات والالتباسات، اطلت من بوابة العلاقات الايرانية – السعودية بارقة امل من شأنها ان تحدث فجوة في جدار ازمات الداخل المتراكمة تمثلت في زيارة مساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان للمملكة العربية السعودية للقاء وزير الخارجية الامير سعود الفيصل في الرياض وهي الزيارة الاولى من نوعها لمسؤول ايراني للمملكة منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني، على ان يجري المسؤولان مباحثات تناول قضايا ذات اهتمام مشترك.وتكتسب الزيارة اهميتها من كونها جاءت بعدما شق مسار التسوية دربه لملف الحكومة في العراق التي زارها وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف والتقى رئيس الحكومة المكلف حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، بما يؤشر الى ان قطار التسويات الذي انطلق من العراق سيكمل مساره بعد تشكيل الحكومة في اتجاه دول اخرى سينال لبنان حكما حصته منه.

وفي السياق، اكدت مصادر دبلوماسية مطلعة  ان زيارتي ظريف للعراق وعبد اللهيان للسعودية تتصلان في شكل خاص بالملف العراقي، وتحديدا لتبديد التباينات في شأن حكومة العبادي اذ ان ايران تسعى لحكومة اكثرية مطلقة، في حين ان سائر المكونات العراقية مدعومة من الدول العربية تشترط حكومة وحدة وطنية متوازنة تضم اليها كل القوى، بما فيها حزب البعث، وتوزيع الحقائب الامنية لتشكل سدا منيعا في وجه “داعش” ومشروعها الانقلابي التكفيري.غير ان المصادر لا تسقط من حساباتها امكان ان يمر المسؤولان الايراني والسعودي في مباحثاتهما على الملف اللبناني ولو على الهامش، او على الاقل ان تنعكس نتيجة هذا الاجتماع ايجابا على لبنان، ذلك ان التعاون الامني الدولي والاقليمي لمواجهة “داعش” واخواتها واقتلاع التمدد التكفيري من جذوره خشية تحوله الى حالة دولية على غرار القاعدة، سيتحول سياسيا في ما لو نضجت ظروف التسويات ورضخت قوى الممانعة لمستلزمات مواجهة الارهاب المتجه نحوها بعدما لاقى احتضانا في اكثر من بلد حتى في بعض دول الغرب.

____________

(*) – هشام يحيى