ماذا بعد تعليق هيئة العلماء المسلمين وساطتها؟

دخلت قضية العسكريين المحتجزين لدى الجماعات العسكرية المسلحين المتمركزين في جرود عرسال على الحدود مع سوريا مرحلة جديدة معقدة، بعد ان اعلنت هيئة العلماء المسلمين تعليقها للوساطة التي كانت تقوم بها مع المسلحين الى حين انضاج ظروف أفضل وإفساحاً في المجال لأطراف أخرى قد تكون لها قدرة أكبر على تسوية هذا الملف، وفق ما ورد في بيان الهيئة الذي تلاه الشيخ عدنان أمامة أمام الإعلاميين في السرايا الكبير إثر اجتماع وفد الهيئة الى رئيس الحكومة تمام سلام.

تعليق الوساطة المباشرة تلك والتي اثقلها المسلحون بشروطهم التعجيزية، نقل الملف الى الأوساط الدبلوماسية القطرية – التركية، على غرار الملفات السابقة التي نجح اللواء عباس ابراهيم في حل عقدها، والتي قد تحتاج الى وقت طويل قد يتعرض فيها العسكريين المحتجزين لمخاطر كبرى بفعل ظروف المنطقة وطبيعة المعارك الجارية فيها. وكانت وساطة هيئة العلماء تحركت منذ بداية المعارك بين الجيش من جهة وبين مسلحين متطرفين، وغيرهما في عرسال في وساطة لوقف المعارك، أدت أيضاً الى افراج المسلحين عن 8 عناصر من قوى الأمن الداخلي على دفعتين كانوا لدى جبهة النصرة، الأولى شملت 6 والثانية اثنين من أصل 20 جندياً بين محتجز ومفقود و17 عنصراً من قوى الأمن الداخلي.

مصادر الهيئة أوضحت ان المفاوضات كانت وصلت في المرحلة الأخيرة الى مطالبة المسلحين بنقل عدد من رفاقهم المسلحين الذين جرحوا خلال معارك عرسال وأودعوا مستشفى الأمل في مدينة بعلبك الى مستشفى آخر في محيط مدينة زحلة، وأن توافق الحكومة اللبنانية على مبدأ “مقايضة” الافراج عن مزيد من العسكريين بإخلاء سبيل موقوفين من مناصريهم في السجون اللبنانية، من دون اعطاء لائحة بأسماء هؤلاء، ملمحين الى اسم شقيق زعيم احدى المجموعات المسلحة الذي يدعى أبو طلال.

وأوضحت المصادر ان الجانب اللبناني وافق على مطلب نقل الجرحى وعلى معاملتهم بطريقة انسانية بعد أن كان وافق على تخفيف الضغط على مخيمات النازحين السوريين في عرسال مقابل الإفراج عن عناصر قوى الأمن الثمانية، وقالت المصادر إن الجانب اللبناني طلب في المقابل الإفراج عن 3 من الجنود المحتجزين، لكنه رفض الإقرار بمبدأ مقايضة العسكريين بموقوفين في السجون اللبنانية، وأضافت: “رد المسلحون في اتصالاتهم غير المباشرة مع هيئة العلماء المسلمين، برفض الإفراج عن 3 جنود جدد”.

وأشارت المصادر الى ان المفاوضين من هيئة العلماء، تلقوا معلومات بموازاة ذلك بأن المسلحين أعدوا شريط فيديو وربما يكونون سلموه الى احدى الفضائيات، فيه تهديد بالمباشرة بقتل العسكريين اللبنانيين إذا لم يستجب الى طلباتهم، وهذا ما دفع بالهيئة الى تعليق وساطتها. وبعد منتصف الليل بثت محطتا “المؤسسة اللبنانية للإرسال” والـ”أم تي في”  شريط فيديو يظهر فيه عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي الأسرى لدى جبهة النصرة الذين تحدثوا مطالبين حزب الله بالانسحاب من سوريا.

متابعة اعمار نهر البارد

من جهة اخرى وفي سياق متابعة الملفات المعلقة التي يتحمل لبنان أعباءها، نتيجة حربه ضد الارهاب، سلم رئيس مجلس الوزراء تمام سلام سفراء الدول العربية رسالة موجهة الى الملوك والرؤساء والأمراء العرب، تتناول تنفيذ الوعود التي سبق أن قطعتها الدول العربية لدعم مشروع استكمال إعمار مخيم نهر البارد، ويحثهم فيها دعم الحكومة واستكمال تنفيذ وعودهم التي قطعوها لاعادة اعمار المخيم بعد ست سنوات على عملية تحريره من جماعة فتح الاسلام التي قادها شاكر العبسي وادت الى تدمير المخيم.

تتناول الرسالة شرح أوضاع الفلسطينيين في لبنان عموماً، وخصوصاً مع تهجير أكثرمن ثمانين ألفاً من الفلسطينيين من مخيمات سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية الاخيرة. ولجوء قسم كبير منهم الى منطقة مخيم نهر البارد وجواره في شمال لبنان، الامر الذي فاقم مشكلة الاكتظاظ السكاني الحادة، وزاد من حدة الضغط على الدولة ومؤسساتها لتوفير الخدمات المطلوبة المتعثرة في تلك المنطقة.

وعزت الرسالة السبب في هذا كله الى ما حل بالمخيم من تدميرشامل في العام 2007، نتيجة للاشتباكات بين الجيش اللبناني، وجماعة “فتح الإسلام”، إذ تسبب هذا التدمير بتشريد أكثر من30,000 لاجئ فلسطيني من بيوتهم ومصادر رزقهم.

وأشارت الى أنه تداركاً لهذا الوضع الكارثي والمأسوي، دعت الحكومة اللبنانية في حزيران 2008، إلى عقد مؤتمر للدول المانحة في العاصمة النمسوية فيينا، بهدف تأمين الدعم اللازم لإعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين والمناطق المجاورة له. وتعهدت الدول العربية في هذا المؤتمر لرئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة المساهمة في تغطية نصف كلفة الإعمار، على أن تغطي الدول الغربية النصف الآخر من موازنة المشروع.

وأعلنت الرسالة نجاح الجهود في تأمين نحو نصف المبالغ المطلوبة من أجل إعادة بناء مخيم نهرالبارد وجواره، بمساهمة مباشرة من بعض الدول الغربية والعربية، وتقدر قيمة المبلغ الذي تأمن حتى تاريخه بنحو 188 مليون دولار من أصل345 مليون دولار أميركي، وذلك عدا كلفة إعمار المناطق المحيطة بالمخيم ومخيم البداوي المقدرة بـ 122 مليون دولار اضافي. لكن عدم تأمين المبالغ المقررة، لتمويل الأعمال المتبقية والمطلوبة لإنجاز مشروع الإعمار، بات يهدد استمرار المشروع، ووقف أعمال البناء مع بداية العام 2015.

وأوردت المذكرة أن الحكومة اللبنانية، اذ تتطلع الى الأشقاء العرب لتقاسم هذه الأعباء وتغطية العجز الذي يقارب 280 مليون دولار، تطرح هذ الأمر بإلحاح، بهدف إعادة النازحين الى أماكن إقامتهم، وتجنباً للآثار الاجتماعية والإفرازات الأمنية الخطيرة التي قد تنتج من توقف هذا المشروع الحيوي، وما يتسبب به تشريد عشرات آلاف الفلسطينيين من تهديد للسلم الأهلي في لبنان وزعزعة للاستقرار الأمني والاجتماعي في المخيمات. في ظل ظروف أقل ما يقال فيها أنها تتدحرج ككرة النار وتضع لبنان في دائرة الخطر المحدق وقلب العاصفة”.

——————————–

(*) فوزي ابو ذياب