مآذن غزة

د. قصي الحسين

غزة لا تبيع البرتقال، لأنه دمها المعلب. يقول محمود درويش. وغزة لا تهادن حين تشتعل مآذنها، ويكتمل الردى فيها. يقول أيضاً وأيضاً. فعما تبحث إسرائيل في غزة إذن؟ عن نفق بطول مئذنة، أم عن نفق بطول شهيد أم عن نفق بطول نهر الله، في أرض البرتقال الحزين.

تكذب إسرائيل على نفسها. تكذب على شعبها. تكذب على عملائها. تكذب على العالم. الكذوب لا يصدق أبداً. لا أقول إن إسرائيل كذبة في التاريخ. بل أقول إن إسرائيل أعظم دولة كذوبة في التاريخ أخذت لسانها عن أعظم كذوب وطأت قدماه البر الأميركي لانقاذ الرجل الهندي من جهله، بقتله.

تأتي إسرائيل اليوم إلى غزة في حربها التاسعة لانقاذ الفلسطيني من جهله، بقتله. تشفق على عجزة غزة، فتقتلهم. تشفق على نساء غزة فتقتلهم. تشفق على أطفال غزة في بحرها وفي رملها فتخطف منهم لعب الطفولة ولهوها وأقراص الحلوى وعيدها. تشفق على مآذن غزة وهي تصدح “الله أكبر” فتقصفها. يهوي المؤذن والآذان والمئذنة. تجري دمائهم في الأنفاق تصب في نهر الله، يروي عطش بيارات البرتقال الحزين. ويسحر القوم في شهر الصوم.

أما أهل غزة فهم يشفقون على الشعب اليهودي في إسرائيل من عنت الجلاوزة الصهاينة. يشفقون عليهم من عنت الآلة العسكرية الّتي يختبر الجلاوزة فعاليتها في المستعمرات الطرية العود وعلى الأجساد الطرية العود. فهم يقتلون وينتصرون. وتهوي الطائرات بأسقف المدينة وقباب مساجدها على رؤوسهم وينتصرون. وتكنس الساحات والباحات والشواطئ والملاعب من أطفالها، وينتصرون.

إسرائيل لم تدرك بعد تسعة حروب انفرادية مع غزة بخاصة ومع الفلسطينيين بعامة، قيامتها من موتها. لم تدرك إسرائيل أن أهل غزة حين يذهبون على يدها إلى أضرحة الشهداء، إنما لينفروا ويستنفروا من سبقوهم إلى الجنة. يشربون من نهر الله في الأنفاق ليستأنفوا جهادهم البطولي والتاريخي في مواجهة شمشون الجبار يسقط الهيكل على نفسه وعلى غيره في أرض البرتقال الحزين.

إسرائيل تكذب على نفسها وعلى شعبها، إن حربها مع غزة ليوم وليلة. ولا تدري إنما هي أكذوبة تسيل من لعابها. لعاب المستعمرين الخبثاء المعاصرين الّذين يستولدون الحروب التجريبية لصالح الحقول النفطية. أما أهل غزة فقد صدقوا الله وصادقوا شهداءهم وتصدقوا على بقية يومهم، ببقية من عيشهم. فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. تلك هي المعادلة.

ومهما علت الانفجارات على مآذن غزة، فلن تقوى عليها. ومهما تدفق عسكر الإسرائيليين المستعمرين على بياراتها، فلن تجف دماء شهدائها ولن يجف نهر الله في أنفاقها. ومهما تموه الإسرائيليون بأكاذيبهم فتخفت شياطينهم بها، فلن ينطلي كذبهم وعبثهم على كل ذي لب وذي حصانة. فقد نسي المستعمرون الجدد أن الفلسطينيين ليسوا من نسل الهنود الحمر، بل هم بنو الحمراء. وأن إسرائيل سوف لن يحميها ضجيج طائراتها ولا عجيج مدرعاتها مهما اشتدت ذراعها الفولاذية. وأن غزة لا تهادن حين تشتعل مآذنها ويكتمل الردى فيها. تلك هي المعادلة.

إسرائيل أقحمت شعبها في شعاب المستعمرين الجدد، بحروبهم المنقبة عن النفط على شواطئ المتوسط وفي بلاد الشام والعراق من البصرة إلى كركوك والموصل ودير الزور. ومثلما يصلى العرب بالنار، يصلى الإسرائيليون بالنار. أما مآذن غزة مساء كل ليلة من ليالي الغزاة، فهي صفحة من نهار.

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث