مبادرة بطرس حرب

جليل الهاشم

الدستور اللبناني واضح في نصوصه واجتهاداته، وهو ملزم بما أن واضعيه أخذوا بمختلف الآراء واستأنسوا باجتهادات مرجعية عندما أعدوه قبل أن يحال إلى مجلس النواب ويتم اقراره.

وفي موضوع انتخاب رئيس للجمهورية جاء النص واضحاً: افتتاح جلسة الانتخاب الأولى يقتضي حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي وفي الجلسات التي تلي يكتفي بالغالبية المطلقة أي بالنصف زائد واحد ( 65 نائباً ) حيث يمكن انتخاب الرئيس بهذه الغالبية من الحضور.

كان وراء اشتراط توافر نصاب الثلثين في الجلسة الأولى، وهو ما تحقق في 22 أيار الماضي، رغبة لدى المشرع بتأمين مشاركة مختلف الكتل أي بإسهام أكثرية موصوفة تمثل مختلف الطوائف في انتخاب من سيحتل المركز الدستوري الأول في البلاد. وقبل اتفاق الطائف لم يكن هذا الاشتراط وارداً، إلا أن الرئيس الراحل كامل الأسعد رأى لدى انتخاب بشير الجميل رئيساً، ضرورة حضور الثلثين ليضمن مشاركة اسلامية في انتخاب رئيس ضمن ظروف انقسام سياسي حاد نتيجة الاحتلال الاسرائيلي، وتحولت سابقة الأسعد إلى نص دستوري بعد الطائف يقضي بتوافر نصاب الثلثين في الجلسة الأولى، لكن الدستور لم يكن يتوقع في اي لحظة أن يتحول المكلف بانتخاب الرئيس إلى معرقل لانتخابه.

المشكلة اليوم أنه تحت عنوان الالتزام بالميثاق جرى التشدد في التمسك بالثلثين لكن التمسك بالميثاق يؤدي إلى الاخلال بممارسته، انه يفرغ المؤسسات من رمزها الميثاقي الأول أي رئيس الجمهورية، ولا حل لهذه المشكلة إلا بالدستور، أي احتساب جلسة 22 أيار والانطلاق منها للانتخاب بالأكثرية المطلقة، وهذا هو جوهر مبادرة الوزير بطرس حرب والمخرج الذي يطرحه لإنفاذ الجمهورية ورئيسها.

انه مخرج دستوري لا غبار عليه، يؤكد مرة أخرى أن هناك في البلد من لا يزال مؤمناً بالمؤسسات والتشريع والقانون والدستور، ولن يكون في وسع أحد أن يرفض مثل هذه المقاربة، خصوصاً أن كل المحاولات الأخرى لم تؤد إلى نتيجة ويكاد الشغور في منصب الرئاسة يكمل شهره الثالث من دون أي بصيص أمل للخروج من النفق، وعلى العكس من ذلك فإن الفراغ الذي دفعت إليه الرئاسة يهدد باكتساح المواقع الأخرى أي مجلس النواب ومجلس الوزراء.

لقد آن الأوان لوقفة جريئة، أساسها القانوني قائم، والذهاب إلى الانتخاب والالتزام بنتائجه، فلبنان لم يقم يوماً على التعيين إلا في زمان الانتداب والوصاية…