أحلام وكوابيس

صلاح تقي الدين

يحلم اللبنانيون برؤية رئيس في قصر بعبدا ينهي أزمة الشغور المستمرة منذ نهاية عهد الرئيس العماد ميشال سليمان، لكن نصفهم ينتابه “كابوس” رؤية النائب ميشال عون جالساً على ذلك الكرسي، فيما النصف الآخر “يكوبس” بدوره من احتمال جلوس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على هذه الكرسي.

يحلم اللبنانيون بأن تنتهي السجالات العقيمة التي صمّت آذانهم حول التمديد للمجلس النيابي، أو إجراء الانتخابات النيابية، ليفيق بعضهم على كابوس تصويت نوابهم لصالح التمديد، فيما النصف الآخر “يكوبس” من احتمال إجراء الانتخابات في ظل هذه الأجواء الأمنية الملبّدة.

سلسلة كوابيس أخرى تقضّ مضاجع اللبنانيين وتوحّدهم تحت سقفها، برغم أن مقاربتها تختلف جذرياً في بعض الحالات، بدءاً من سلسلة الرتب والرواتب حيث إقرارها كما هي، كابوس بسبب تداعياتها المالية على البلد، وعدم إقرارها بدوره كابوس نسبة إلى تداعيات ذلك على الصعيد التربوي في الدرجة الأولى وأخذ عشرات آلاف الطلاب رهينة لهذا “القفل”.

ومن السلسلة إلى الهمّ الأمني. نصف اللبنانيين يهجسون بخبرية “داعش” في سياق مسار تهويلي مبرمّج ومنظّم ومبلّغ من قبل الصغير والكبير في فريق “حزب الله” وتوابعه، وفريق آخر مهجوس بذلك التضخيم تحديداً، بأهدافه وغاياته، خصوصاً بعد الذي جرى في عرسال.

ومن السلسلة وعرسال إلى الهمّ الخاص بالتيار الكهربائي … معظم اللبنانيين مهجوسين بهذه الكارثة المستدامة، ويصلّون ليل نهار، في حرّ آب كما في قرّ قانون، كي تنتهي ويعود التيار إلى بيوتهم والاستقرار المالي إلى جيوبهم، وهو الذي اختلّ بفعل الاشتراكات الخاصة، وما أدراك ما الاشتراكات الخاصة … ومعظم اللبنانيين، مهجوسين بكيفية وكلفة إيجاد حلّ لهذه الكارثة، باعتبار أن كمية الأموال التي قيل ويقال وسيقال أنها “صرفت” من أجل استئجار الباخرتين التركيتين، كافية بحد ذاتها لشراء خمس بواخر مماثلة من جهة، أو بناء معمل إنتاج يعوّض جزءاً كبيراً من النقص في الطاقة .. الهاجس يكمن تحديداً في عدم تورّع من يدّعي امتلاك الحلول عن الوصول بالسمسرة إلى مبالغ خيالية.

يقبل اللبنانيون في سياق هاجسهم “الطاقوي” هذا، أن يسمسر من يشاء على حساب ماليتهم العامة، بشرط تأمين الطاقة مرة واحدة وأخيرة، لكن ما لا يقبلون به هو أن السمسرة مستمرة والتيار لا يزال مقطوعاً .. هاجس فعلي وحقيقي وملموس.

من السلسلة إلى الأمن والكهرباء، عودة إلى الانتخابات النيابية. معظم اللبنانيين مهجوسين بما يسمّى ممارسة ديموقراطية تسمح بتداول السلطة ويريدون الانتخابات كتعبير عن ذلك، لكن هؤلاء ذاتهم مهجوسين في الوقت نفسه بقصة المحادل والبوسطات المعهودة والمألوفة، والتي لا تفعل شيئاَ سوى إعادة الركاب أنفسهم إلى ساحة النجمة، فلماذا الانتخابات إذن؟ ولماذا الخوف من التمديد؟ وعلى ماذا الخوف؟

لذلك، ليس غريباً أن يشعر الشعب اللبناني الكريم بأنه يعيش في جمهورية “أليس” أم العجائب، وإذا لم يكن ما سلف عيّنات من تلك العجائب، فماذا تكون؟. وإذا لم يكن لبنان بهذا المعنى هو جمهورية “أليس” الافتراضية، فماذا يكون غير أنه التجسيد الواقعي لكل تلك الأسطورة.

الفارق بين الأسطورة والواقع هو أن الأول جميلة وخلاّبة ووليدة خيال لا ينضب، فيما الثانية بشعة وكئيبة وولاّدة خيبات لا تنتهي.