نعم للدولة نعم للثوابت لا غير

فيصل مرعي

إن ما يجري على الساحة اللبنانية من أحداث وتطورات ليست بالحسبان له دلائل وابعاد خطيرة في حال الانزلاق –لا سمح الله- نحو المزيد من الغرق في آتون حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، لم تكن لولا الحرب الدائرة في سوريا. ولم يكن ليُزَجَّ فيها لبنان. فما إن قامت الثورة السورية بوجه الطغاة والغلاة، سرعان ما راحت القوى الظلامية تعبث بأمن لبنان واستقراره. فما يحصل الآن على الساحة اللبنانية، هو حلقة من حلقات العنف التي تدور بمحاذاتها، والمرتبطة عضوياً ببعضها البعض. فما كاد لبنان يستعيد عافيته بعد اتفاق الطائف طوال ما يزيد على عشرين سنة ونيف، لا سيما لجهة بسط الدولة سيادتها على كامل التراب اللبناني، سرعان ما استعرت الثورة في سورية لتعود فنتشابك وتتداخل الاحداث داخلياً وخارجياً، بما انعكس ذلك سلباً على الساحة اللبنانية.

في هذا الجو، بدأت رياح الازمة السورية تهب على لبنان، نظراً لعامل القربى والجوار والاختلاط في الاقامة والسكن والمصاهرة، ولهذا التبادل على كل الاصعدة والمستويات، ناهيك عن هذا الاحتلال الذي دام سنين طوالاً، كنا قد اطلقنا عليه يوم ذاك “حكم الوصاية”. يومها قويت شوكة النظام السوري، فراح يفعل ما يحلو ويطيب له دون زاجر او رادع. وهذا ما أغاظ بشرائح كبرى من السوريين واللبنانيين في كلا الدولتين، فأسس لحالة هي في اساس ما يجري اليوم من ثورات، وفوضى، واضطرابات.. فازداد الوضع سوءاً سوءاً، وتبدلت من حال الى حال، حيث برزت قوى ظلامية تساوي القوى الظلامية الحاكمة، لا بل اشد ظلامية منها، تتعشق سفك الدماء، وكل ما هو معادٍ للانسان والانسانية جمعاء. واليوم بدت نتائج اسباب تراكمت يوماً بعد يوم، وصولاً الى ما نعانيه حالياً من كوارث واحداث فتِْنويّة قد تطول العباد والبلاد، بدت ملامحها تلوح اليوم في “عرسال” وقد تكون غداً في مكان آخر، فكان ان فتح جرح قد لا يلتئم في المدى القريب، اصاب في الصميم ليس بلدة عرسال فحسب، بل لبنان كل لبنان بمقوماته ومكوناته. فما لم تستطع فعله الانظمة السوداء، تفعله الآن جماعات مارقة خارجة على القانون والمجتمع الدولي، وبأسلوب فاق اساليبه ما فعلته تلك الانظمة بشعوبها، فكانت اكثر همجية، واكثر دموية، يوم ذبحت شعوبها على مرأى الرأي العام العالمي، والمجتمع الدولي.

فإذا كانت عرسال اليوم تدفع ثمن مواقفها المشرفة بتعاطفها مع الشعب السوري، والجيش اللبناني وصمودها بوجه التكفيريين، فإنه بات من الضروري العودة الى إعلان “بعبدا” والتقيد بمضامينه، لا سيما لجهة النأي بالنفس، التزاماً بسياسة الحياد الايجابي التي هي اجل واعظم من اي واجب آخر حفاظاً على لبنان الصيغة والفرادة. فلو تم ذلك لحُيّد لبنان، ولم يصبه مكروه. إلا ان الضرب بعرض الحائط بهذا الاعلان جعل لبنان في دائرة الاحداث التي تدور رحاها في سوريا منذ ما يقارب الاربع سنوات، فكان وسط الحدث، بل بقلبه، مما عرَّض لبنان وقواه العسكرية، والتنوع الى الخطر، نتيجة ما يُحدق به من توترات واضطرابات في وقت من الخطأ المس به، وانتهاك ارضه، وإباحة ترابه، وابقائه في عصف ومهب الرياح. في جميع الاحوال، ذلك من المستيحلات العجاف، ولا يمكن القبول به مهما تقلبت الايام والاحوال، وبالتالي، فإن اي حراك يُهدد السلم الاهلي ويضرب الاستقرار، من قبل اعداء لبنان امر في غاية الخطورة. هذا، في وقت يعمل الجميع جاهدين على كبح جماح شرارات النيران المحاذية وهبوبها باتجاه لبنان، إضافة الى تطبيق القرارات الدولية، بما في ذلك القرار “1701” إلا انه لا من سميع او مُجيب حتى الآن.

هذا، ما أدّى الى هذا التداخل، فاذا بلبنان في اجواء نذير توترات عبثية في بقاعه، قد تطال الجميع اذا لم نتدارك ذلك سريعاً. من هنا بات لزاماً علينا الضغط على مجلس الامن الدولي لتنفيذ القرارات الدولية، الصادرة عنه اصلاً، لا سيما القرار “1701”.

يبقى انطلاقاً من الثوابت، الحرص على كيانية لبنان، وسيادته، وذلك بتحصين وضعه الداخلي، حفاظاً على حدوده وسلامة اراضيه عبر تعزيز الوحدة الوطنية، وتنفيذ مقررات المجتمعين العربي والدولي، مضيفين اليها مقررات الحوار الصادرة عن طاولة المؤتمر الوطني. اما ما يحصن لبنان اولاً واخيراً، فهو انتخاب رئيس للجمهورية يستطيع قيادة لبنان الى الشاطئ الامين، واستعادته من هذا الضياع والتشتت، في هذا الزمن الصعب، ومن ثم تقوية الجيش اللبناني بعدّته وعديده، وتغطيته سياسياً ليقوم بمهماته الوطنية على كامل الاراضي اللبنانية.

يبقى ان نشير الى مواقف عرسال بوجه المخربين والارهابيين الذين يمثل سلوكهم هذا عدواناً صارخاً على السيادة اللبنانية، آملين الالتفات الى هذه البلدة النائية، تنموياً، وحمايتها اجتماعياً بكل ما للكلمة من معنى. ويبقى لنا ان نقول كذلك: نعم للجيش، لمرجعية الدولة، للدستور، للنأي بالنفس، للثوابت لا غير.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…