زاوية النسيان / روكز اسطفان

من على شرفة الحاضر يعيد روكز اسطفان رواية تاريخ لبنان الحديث في عمله الروائي الجديد “زاوية النسيان” فما بين عبثية القدر وعبثية الحياة تشكل الرواية شهادة على حقبة الحرب الأهلية اللبنانية، وتمارس شهادتها من خلال رصد حركة الحياة في منطقة من مناطق لبنان الشمالي وهي تشهد عليها بعيون كهل عجوز راوي الرواية وبطلها وعلاقته بالشخصيات الأخرى.

وبالدخول إلى الرواية من العنوان، يجول الروائي في العوالم الداخلية لشخوصه، وذاكرتهم الشخصية؛ فبطل الرواية الذي بدا أحد ضحايا الحرب والذي حولته قذيفة إلى إنسان نصف حيّ لمْ يتبقَ له إلا الذكرى “لم أعد إنساناً. أصبحت إنساناً بالإسم، رجلاً نصف مشلول، مشوهاً، شبه مسخ، أكلت النيران نصف وجهه… في ذلك اليوم بدأ العد العكسي لحياتي الطبيعية، ودخلت رسمياً في حالة الموت البطيء…”. وهكذا حولت الحرب حياة الرجل إلى حالة انتظار للموت يراقب عن قرب سلوك الناس الظاهر والمستتر، وصار الموت يزوره في أحلامه ويقض مضجعه وأكثر ما كان يخفيه هو زواج ابنه من امرأة لا تتمتع بأخلاق العائلات الحميدة، فقد اختارها من وسط اجتماعي لا يليق بمكانة العائلة الأمر الذي جعله فيما بعد في هاجس من أن تألب ابنه عليه فيتخلى عنه وخاصة بعد أن اشتد عليه المرض وأصبح غير واع لأفعاله ويحتاج إلى عناية خاصة.

وفي الرواية ينتقل الروائي من الخاص إلى العام ويغمز بقلمه إلى رموز الحرب اللبنانية وشياطينها والدول القريبة والبعيدة التي ساعدت في إذكاء نار الطائفية وتغليب المصالح السياسية ومصالح أشخاص على مصالح الوطن؛ فيرمز للزعيم الأول باسم “بندق”، وللزعيم الثاني باسم “فستق” وللتدخل السوري باسم “جيش الاحتلال”: الشرعية ضائعة هنا وهناك، يقول أبو يوسف. بندق يقول إنه هو الذي يمثل الشرعية، وفستق، في المقلب الآخر، يقول نفس الشيء. المشكلة هي أن الشرعية في هذا البلد، طول عمرها مناصفة بين الطائفتين اللتين يتألف منهما البلد. بندق يمتلك نصف الشرعية، وفستق النصف الآخر. فإذا لم تضم الشرعية الطرفين، فهذا يعني أن لا شرعية لأحد. وأي قرار يتخذ باسمها يكون قراراً ناقصاً ومبتوراً ومطعوناً به، وهنا تكمن مشكلة القرار الذي اتخذه بندق”. ومن هذا المشهد يمرّ الروائي على المشهد العام في البلاد “القصف”، “التهجير”، “الموت” : طيران جيش الاحتلال يُحلق فوق القصر الرئاسي لأول مرة، هذا يعني أن الضوء الأخضر الدولي قد أعطي له لتنفيذ القرار الدولي. حرب إسقاط بندق تندلع. القذائف تتساقط من جديد في كل مكان…”.

وما أشبه الأمس باليوم فما تزال البلاد رهينة أشخاص بعينهم ومحسوبيات متوارثة ومصالح دول، عربية وإقليمية ودولية، من دون النظر إلى ما يتوق إليه أبناء هذا الوطن. وفي بلدٍ لطالما تغنى بالديمقراطية وكأن التاريخ يعيد نفسه ولم يستفد أحد من دروس الماضي. من هنا تأتي أهمية رواية “زاوية النسيان” وكأنها تقول للبناني لا تنسى تذكَّر. وكن على أهبة الاستعداد لكافة الاحتمالات…