أحداث عرسال أعادت الاعتدال الاسلامي الى لبنان

خلطت أحداث عرسال اوراق الامن بالسياسة وفرضت أجندتها على الجميع، فبات التضامن مع الجيش في حربه ضد الارهاب يتطلب وحدة الموقف، وبات خطر الجماعات التكفيرية المترابطة فيما بينها من الموصل الى عرسال يهدد الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين المكونات الإجتماعية والعائلات الروحية، فتجاوز الجميع او على الاقل تناسى الجميع خصوصياتهم وخلافاتهم الداخلية وربطت القوى المختلفة نزاعاتها الداخلية إعلأً لوحدة لبنان، فعاد زعيم تيار المستقبل الى بيروت سعد الحريري بعد غياب قسري استمر ثلاث سنوات فرضته في حينها سقوط ما سمي بمبادرة الـ (سين – سين)، وما تلاها من تداعيات وتحولات الاحداث في المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وما آلت إليه الصورة بعد ظهور قوى وخلايا تكفيرية إرهابية بدأت تتفاعل في ما بينها من العراق الى سوريا ولبنان، وبات ما سمي بتنظيم “داعش” يهدد أمن واستقرار المنطقة وتنوعها الديموغرافي والاثني والعرقي.

هذه التحولات والاحداث المتسارعة التي انعكست على الداخل اللبناني انقساما حاداً عمودياً بين المذاهب والطوائف، أطاح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وادخل المؤسسات في فراغ سياسي ودستوري ملأته حكومة مكربجة المفاصل.

من هنا فإن عودة الرئيس السابق للحكومة سعد رفيق الحريري الى لبنان وسط هذه الظروف لها شأن كبير وتأثير سيرخي بثقله على ديمومة الحركة السياسية وباكورة الاتصالات الجارية بين الأطراف والتي كان قد بدأها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط منذ أيام بلقائه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وبعده زعيم تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون، من أجل توفير الدعم السياسي والشعبي للجيش في حربه ضد الارهاب ومن أجل حماية السلم الاهلي والعيش المشترك، سيما وان الحرير يعود محملاً بمكرمة ملكية لدعم الجيش في مواجهة الارهاب ومن أجل إعلاء كلمة الاعتدال الاسلامي في المنطقة .

عودة الحريري المفاجئة والضرورية والشجاعة كما وصفها الوزير وائل ابوفاعور، تعيد التوازن الى الحياة السياسية الداخلية وتعلي شأن الاعتدال، وتدفع نحو التوافق الداخلي على قاعدة حماية السلم الاهلي والوحدة الوطنية ومواجهة الارهاب التكفيري، وهذه القاعدة تتظلل بموقف عربي سعودي، فالدعم المالي السعودي المباشر والخاص للجيش والمؤسسات الامنية، ينحصر في تأمين مستلزمات اللوجستية في الحرب ضد المجموعات الارهابية ودحرها عن لبنان ولمنع إلحاقه بما يحصل في دول الجوار، خصوصاً في سورية والعراق. ما يعني ان المملكة العربية السعودية باتت في مواجهة مفتوحة مع الارهاب التكفيري، بعد أن وفرت للثورة المصرية المظلة السياسية والاقتصادية لمواجهة الاسلام السياسي. فهل تجاوز لبنان القطوع الأمني المتمثل بداعش وملحقاتها، أم بدأت سكة التوافق تسلك طريقها لحلحلة العقد المتراكمة، وهذا ما سيتبين في المقبل من الايام.

الهبة السعودية الفورية وفق ما كشفت مصادر مطلعة للأنباء، ما هي إلا رسالة الى المجتمع الدولي بأن لبنان ليس متروكاً لوحده وبأن السعودية مستعدة كعادتها للوقوف الى جانبه في الظروف الصعبة التي يمر فيها، كذلك للقول ان الأولوية يجب أن تعطى لتدعيم القوى العسكرية بالعتيد والعتاد، وان تدعيمها يجب أن يترافق مع تحصين الوضع الداخلي ليكون حاضنة لهذه القوى في تصديها للمجموعات الإرهابية وإحباط مخططها الرامي الى تفكيك لبنان وإقحامه في حروب مذهبية وطائفية.
من جهة أخرى انشغل الوسط السياسي بعودة الحريري، وراحت بعض الجهات تضعها في خانة استعداده لخوض الانتخابات النيابية وحاجته الى استنفار جمهوره، أو حضوره لتحريك الاتصالات الجارية لملء الشغور في رئاسة الجمهورية، لكن تبين من خلال الاتصالات التي أجريت معه أن اهتمامه ينصب على تفعيل إنفاق الهبة السعودية لرفع مستوى الجاهزية لدى القوى الأمنية لمواجهة الإرهاب وردعه ولتدعيم شبكة الأمان السياسية لها كي تكون واقفة فوق أرض صلبة ومحمية شعبياً، من دون ان يسقط من حسابه ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ونقل عن الحريري قوله ان “عدم انتخاب الرئيس هو جريمة سياسية بحق لبنان ونحن في قوى 14 آذار كنا فتحنا الباب أمام الوصول الى تسوية لتسهيل الاتفاق على رئيس. لكن الكرة الآن في مرمى الفريق الآخر وننتظر منه أن يجيب على التسوية التي طرحتها لأنه من غير الجائز ان نبقي على سدة الرئاسة الأولى شاغرة”.

وشدد الحريري على أنه ليس هناك شيء أهم من دعم الدولة وقواها الأمنية لحفظ الأمن والاستقرار. وقال: “يقول كثيرون ان عودتي لها علاقة بانتخاب رئيس جديد والحقيقة اني كنت أتمنى ان يحصل ذلك وان يكون أول تحرك لي فور العودة هو زيارته أو النزول الى البرلمان لانتخابه”.

وأضاف ان “انتخاب الرئيس من مسؤولية الجميع ولا يتحمله سعد الحريري منفرداً وعلينا ان نفتح الباب أمام توافق واسع على انتخابه والانتقال الى التضامن الوطني لمواجهة التحديات ونحن ضد الفراغ في الرئاسة”.

ولفت الى ان “المستقبل” ضد التطرف ومع الاعتدال وقال ان “تأجيج التعصب لا يؤدي الى نتيجة وتيارنا هو تيار الاعتدال الذي مثّله ويمثّله رفيق الحريري لنحمي لبنان من شرور الإرهاب والتطرف. وخيارنا هو دعم الدولة وليس لدينا خيار لتشكيل ميليشيا أو حمل السلاح بوجه سلاح آخر”.

وكرر موقفه من تدخل حزب الله في سورية وقال: “رأينا كيف يدفع الجيش ضريبة غالية بسبب اصرار هذا الحزب على فرض أمر واقع لم يوافق عليه أحد من اللبنانيين”.

في غضون ذلك، بدأت وحدات الجيش بالانتشار في عرسال على ان يستكمل هذا الانتشار في الساعات المقبلة في انحاء البلدة. ووصفت مصادر متابعة المفاوضات التي أجرتها “هيئة علماء المسلمين” مع الخاطفين في شأن الاسرى العسكريين بأنها مشوشة نتيجة الخلافات بين “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش”، خصوصا ان الاخير ينتظر توجيهات قيادته ومقرها حلب بما يعرّض المفاوضات للتأخير. وفي المقابل، اكدت المعلومات ان المخطوفين سالمون. بيد ان التطور السلبي الذي برز امس تمثل في اشتراط الخاطفين الافراج عن سجناء اسلاميين في سجن رومية في مقابل اطلاق الاسرى العسكريين. ونقلت وكالة “رويترز” عن قائدين عسكريين قريبين من الجماعة التي تحتجز الجنود قولهما في مكالمة هاتفية ان المطالب ارسلت الى الحكومة اللبنانية والجيش. كما نقلت عن مسؤول امني ان المتشددين قدموا اسماء نحو 20 متشددا اسلاميا محتجزين وطالبوا بالافراج عنهم.

وقال أحد المتشددين اللذين تحدثا الى “رويترز”: الامر بسيط، جنودهم مقابل الرهائن الاسلاميين”.