معارك عرسال والدور المصيري للإسلام المعتدل

محمود الاحمدية

“ولا تجعلْ يدكَ مغلولةَ الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعدَ ملوحاَ محسوراَ ” (الإسراء 29)

تابعت مثلي مثل كل اللبنانيين المعارك التي تدور في جرود عرسال ولأول مرَة انتابني شعور غريب بأن الذي خفنا منه وقعنا فيه… حدود سائبة مفتوحة بلا حسيب ولا رقيب منذ بدأت المعارك داخل سوريا… وإرتفعت اصوات كثيرة تطالب السلطة بإرسال الجيش الى الحدود وصيانتها مثل اي دولة في العالم تحترم حدودها وتطبيقاَ مباشراَ للدستور وقَسَم الرئاسة … وتطورت الأحداث وبالرغم من بعض الإرهاصات والقنابل الموقوتة والسيارات المتفجرة من آخر نقطة في الشمال مروراَ ببيروت والضاحية الى الجنوب ، بقي الأمل موجودا والأفق غير مقفل … حتى بدأت حرب داعش السريعة في العراق الى حدَ لا يصدقه اي متابع للأحداث وتهاوت المساحات بسرعة غريبة امام انظار العالم اجمع وكانت فاجعة الموصل وتهجير حوالي الأريعين الف مسيحي منها والسكوت الدولي مطبق وكامل وغريب حتى اتى التصريح الفرنسي الملتبس الى حد المشاركة المفضوحة لفرنسا في اتون اللعبة الدولية: نحن على استعداد لإستقبال المسيحيين في فرنسا… قمة الرياء والتعاطي السلبي فبدل تثبيتهم في أرضهم شاركت فرنسا في سلخهم من وطنهم… وهي والغرب كله والعالم كله يشهد الغاء الحدود بين سوريا والعراق وتمدد الدولة الداعشية على رقعة كبيرة في البلدين العربيين… وبين ليلة وضحاها تفاجأ اللبنانيون بالمسلحين السوريين يملأون شوارع عرسال ويستولون على مراكز عديدة لقوى الأمن الداخلي وحواجز للجيش اللبناني… ومهما حاول البعض تبرير هذا التدخل السافر بأنه نتيجة أسر فلان او عليتان من قبل الجيش فالحقيقة واحدة: النصرة وداعش داخل الأراضي اللبنانية عبر بوابة عرسال والمضحك المبكي ان عرسال التي استقبلت حوالي الماية وخمسين الف من الإخوة السوريين وكأنها تدفع ثمن ايمانها بالثورة السورية وبالمعارضة السورية.

وكان تدخل الجيش اللبناني وهنا بيت القصيد والمفصل الأساسي في مسيرة الأحداث: رأينا جنود الجيش ينخرطون في معركة الدفاع عن الأرض وتابعنا بألم سقوط الشهداء العشرة والجرحى الذين وصل عددهم الى الخمسة وثلاثين وهي معمودية بطولة بحق هي معركة الدفاع عن لبنان الرسالة لبنان التعايش لبنان النموذج الذي حاولوا وعلى مدى خمسين عاماَ تحطيم تفرده وبدأوا بتحقيق ما يريدون من بوابة عرسال.

الخوف كل الخوف واقولها بالفم الملآن ان يتطور الشعور بالقهر لدى البعض وعلى مدار السنين الماضية ويتكلم بلهجة فيها نوع من الرضى الضمني على ما يحصل في عرسال وهنا تكمن الخطورة ومكمن التفكير الخيالي الغير صائب والذي يؤدي حتمياً الى حرب اهلية لا تبقي ولا تذرَ!! فسرعة إحتلال داعش لجزء كبير من العراق كان مرتعه وديدبانه التربة الخصبة والبيئة القابلة والإحتضان العاطفي الغير مبرر… فمعركة الموصل وإحتلالها ومآسيها وصولاً الى المحافظات الثلاث في سوريا والتي تقع بين يدي داعش لا تنفصل ابدا عن معركة عرسال… بفارق جوهري وحساس ومصيري للوطن: الإسلام اللبناني المعتدل يقف بكل جرأة وبحزم نادرين مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية ساداً النوافذ امام عواصف مذهبية قادمة قد تدمر الأخضر واليابس اذا لم يقابلها هذا العقل الإسلامي المعتدل المتنور الهادف وقد جسَد التصريح الأخير للشيخ سعد الحريري: (القوى الأمنية اللبنانية خط احمر) قمة النضوج والرؤية في السياسة ببعدها الوطني.

وكلبناني يعشق وطنه بدون اي مزايدة على أحد اقول: سر خلاص الوطن يكمن في الوقوف كتلة واحدة موحدة متراصة خلف الجيش وإعتبار كل شهيد يسقط في هذه المعركة شهيد الكرامة شهيد لبنان وطن الرسالة شهيد كل لبناني حر ابي يؤمن بديمومة ونهائية لبنان… وأشد على يَدي كل جندي لبناني بطل، يحقق ذاته ويحقق حماية وطنه امام هجمة القتلة سواء كانوا النصرة او داعش فهم لا علاقة لهم بالإسلام ولا يجسَدون الإسلام بتسامحه بإنفتاحه ولا علاقة لهم بالحفاظ على الكرامة لأنَهم ينحرونها يومياً في افعالهم وتصرفاتهم… كلبناني اقول نقطة البيكار في هذه المعركة ولكي نحافظ على الوطن ولكي لا نكون جزءاً من معركة بدأت في الموصل ويحاولون نشرها في لبنان عبر بوابة عرسال، يجب تحقيق الخطوات الأربعة التالية: وحدة الجيش، صلابة الموقف الإسلامي المعتدل وفي مقدمتهم المستقبل وكل المسلمين المتنورين، عودة حزب الله من سوريا، صيانة الحدود… من المستحيل ايجاد حل جذري طالما الحدود سائبة ومنذ ثلاث سنوات ومنذ بداية الحرب إرتفعت أصوات كثيرة تطالب بقرار سياسي يرسل الجيش الى الحدود لصيانتها وبكل أسف لم يتحقق هذا الهدف ونرى حالياً كل ما نراه في معارك عرسال الذي يدمي القلب انه وقبل معارك عرسال كان الأهالي الكرام اهالي عرسال يهيئون جداريَة في عيد الجيش لأنهم يعتبرون الجيش جزءاً من كرامتهم ولهم فيه أولادهم وآباؤهم واخوانهم، وأتى عيد الجيش وللمرة الأولى في تاريخه لم يتسلم ضباطه المتخرجون السيوف من رئيس الجمهورية الغائب…! وبالأمس قاتل اهالي عرسال باللحم الحي وبالسكاكين دفاعاً عن مركز للقوى الأمنية وشكلوا نموذجاً للبنان الذي نريده! هؤلاء الاهالي الأبطال هم خط الدفاع الأول عن وطننا في كل متر مربع من جغرافيته وفي كل ضمير حي يؤمن برسالته !!

كلمة أخيرة الإسلام المعتدل هو خشبة الخلاص للوطن وانسحاب حزب الله من سوريا هوشاطيء الأمان للوطن…

يقول الفيلسوف الفرنسي باسكال “يقود التطرف الى التهور ، ويفضي الإعتدال الى الحكمة” لعلَ الجميع يسمعون فيعدلون!!

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة