لماذا نترك للصراعات تقرير مصير الجمهورية؟
رفيق خوري (الانوار)
2 أغسطس 2014
موسم التردي طويل. لبنان يتنقل بين أنواع من البؤس السياسي تحت عناوين خادعة. والعالم العربي ينتقل من محنة التصحر السياسي والفكري الى محنة التكفير الارهابي تحت عناوين ضيقة ومتخلفة في تفسير الدين وفهم الدنيا. وهما معاً مسرح لأوسع صراع جيوسياسي اقليمي ودولي تحت عناوين مزيفة وبوسائل لها أبعاد مذهبية.
وليس صحيحاً ما نسمعه يومياً من أن لبنان محكوم بأن ينتظر كل ما يحدث في المنطقة لكي يمارس واجبه وحقه في القيام بخطوات محلية من النوع الذي لا يحتمل ولم يعد يتحمل الانتظار: من الاستحقاق الرئاسي الى الاستحقاق النيابي. الصحيح أن التركيبة السياسية تمارس لعبة الانتظار وتخترع أحياناً محطات انتظار، سواء لتبرير العجز عن فعل المطلوب منها أو لتغطية التبعية والأنانية والاستلشاق بهموم الناس والاهتمامات الوطنية. وكلما فشلت في الرهان على انتظار حدث خارجي ترهن بحصوله ما عليها فعله، انتقلت الى الرهان على انتظار حدث آخر.
لكن الوضع اللبناني تجاوز المرحلة التي كانت تنطبق عليها الحكمة التقليدية القائلة الانتظار أفضل مستشار. فالانتظار صار وصفة للوقوف بلا عمل حيال مخاطر الانهيار. فضلاً عن انه انتظار لما لا نعرف كيف يتبلور وينتهي من أجل المماطلة في فعل ما نعرف كيف يبدأ وينتهي. والسؤال الآن ليس فقط متى نستطيع انتخاب رئيس ونتوقف عن التمديد للمجلس النيابي من دون ظروف قاهرة، بل أيضا كيف نستطيع الحفاظ على الجمهورية.
ذلك أن خطر تنظيم داعش الذي ألغى الحدود بين العراق وسوريا ويقاتل لتوسيع أرض ما سماه دولة الخلافة هو واحد من أخطار عدة في طليعتها الخطر الاسرائيلي. واللعبة في المنطقة تدور في اطار التزلج الأميركي بين مشروعين اقليميين يواجه كل منهما تحديات صعبة: مشروع ايراني يواجه حربين في سوريا والعراق ويقاتل للحفاظ على الممكن. ومشروع تركي تلقى ضربة قوية بسقوط الحكم الاخواني في مصر.
ولا أحد يعرف كيف تتطور الأحداث، وما اذا كانت دولة الخلافة سريعة الزوال كما كانت سريعة الظهور أم انها باقية على أجزاء من سوريا والعراق مع السعي للامتداد الى لبنان والأردن. لكن الكل يعرف ان الجمهورية تتأثر بما تنتهي اليه صورة الوضع في سوريا والعراق، وان التحديات أكبر من الشغور الرئاسي. فلا أقل من ان نسارع الى انتخاب رئيس يلعب دوره مع سواه في الحؤول دون أن يصبح مصير الجمهورية معلقاً على تطورات المنطقة. ولا مبرّر لانتظار الآخرين الذين يقولون لنا بصراحة ان همومهم منوّعة وان الوطن الصغير ليس الآن على جدول الأعمال ولا حتى على الشاشة.