هل فُتحت صفحة جديدة في الجامعة اللبنانية؟ / بقلم د. وليد ملاعب

قلما شغلت الجامعة اللبنانية وبملفاتها الشائكة العناوين الرئيسية للصحف، ولمقدمات أخبار الإعلام المرئي على غرار ما حصل في الآونة الأخيرة. فعلى مدى ثلاثة عقود، لم تستاثر هذه المؤسسة الهامة بهذا الإهتمام وهذه الإضاءات التي تمحورت حول ملفين اساسيين هما ملف تعيين العمداء الذي طال إنتظاره، وملف تفرغ الأساتذة.

هذه الضجة الإعلامية الملفتة التي صنعها أهل الحق وعن وجه حق تذكرنا بالمحطات الكبرى في حياة الجامعة اللبنانية. فتعود بنا الذاكرة الى تلك المظاهرة السلمية في العام 1951 والمطالبة يإنشاء جامعة الوطن والذي سقط فيها الطالب اليسوعي فرج الله حنين شهيدا بفعل الضرب المبرح من قبل أدوات السلطة آنذاك. لنتذكر أيضا صدور مرسوم 6267 الذي ينص على إنشاء دار المعلمين العليا النواة الاولى لتأسيس الجامعة اللبنانية، ليلقي الدكتور حسن مشرفية المحاضرة الأولى في هذا الدار الذي أنشىء في العام 1951 أي بعد 89 عاما على نشوء الكلية السورية الإنجيلية أي الجامعة الأميركية في بيروت.

من العناوين الكبيرة لتلك المرحلة الخطوة الجريئة التي أقدم عليها الفنان والمهندس ألكسي بطرس الذي أنشأ كلية للحقوق خلف جدران الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة وكان من أبرز المحاضرين فيها المعلم الشهيد كمال جنبلاط، والمغفور لهم أنور الخطيب وفؤاد رزق وغسان تويني وغيرهم. كان ذلك في العام 1953. ميزة هذا الحدث تكمن بعضب السلطة الصارخ والرافض الذي أدى الى تسوية أقفلت فيها هذه الكلية أبوابها في العام 1961 لتنشأ بالمقابل كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية وقد يكون هذا الحدث أهم من كل ما نقرأه عن الجامعة اللبنانية اليوم.

وتتكرر وتتعدد الأحداث والتطورات في جامعة الوطن الذي أدخل على تشريعاتها المغفور له الدكتور ادمون نعيم تعديل جوهري قضى بإشراك الطلاب في القرارات الجامعية من خلال قوننة مشاركتهم في إجتماعات مجالسها في الفروع والوحدات ومجلس الجامعة. إنجاز لطالما إفتخر به الرئيس الأسبق للجامعة وتحدث عنه طويلا في ندوة حول الجامعة في العام 2005. المفارقة أننا اليوم ومنذ سنوات لم تنتخب الهيئات الطلابية مكاتبها بحجة التخوف من الخلافات والصدامات.

الغاية الأساسية من إستذكار هذه المحطات المقارنة بين البارحة واليوم المقارنة بين الشعارات والأهداف والمواقف في تلك المرحلة وفي وقتنا الحاضر والتي وإن تشابهت بالشكل فهي بالمضمون مختلفة بعض الشيء وهذا الأمر إن دل على شيء فهو يدل على واقع الحال في الجامعة اللبنانية هذا الواقع اذا ما إستمر فالأمور لا تبشر بالخير والجامعة قد تكون مقبلة على أيام صعاب.

كلنا واكبنا مسار وتطور النقاش في الملفين المذكورين أي ملف العمداء والأساتذة المتعاقدين حيث أبقت السلطة السياسية في لبنان الجامعة من دون مجلس مدة عشر سنوات أي منذ العام 2004 الأمر الذي كان من الأسباب التي أعاقت تقدم وتطور الجامعة وأبقى مسؤولية أدارتها على عاتق رئيسها ووزير الوصاية أي وزير التربية. ولم تحرك هذه السلطة ساكنا حيال هذا الموضوع الذي تصدر بيانات رابطة الأساتذة المتفرغين على مدى سنين. حيث أعلنت الإضراب عدة مرات من أجل حث المعنيين على إنهاء هذا الملف. كذلك موضوع التفرغ الذي غاب عن طاولة مجلس الوزراء منذ العام 2008 في وقت يتناقص فيه عدد الأساتذة المتفرغين بسبب بلوغهم السن القانونية وفي هذا المجال لا يسعنا إلا أن نوجه تحية شكر وإمتنان للقسم الأكبر من هؤلاء الأساتذة الذين بنوا تاريخ الجامعة الحديث بعطاءاتهم وكفاءاتهم. وكلنا أمل بالزميلات والزملاء المتفرغين الجدد بأن يشكلوا بحضورهم وبالمستوى الأكاديمي المطلوب البدائل النوعية القادرة على حماية الجامعة وتطويرها.

الغرض الأساسي من هذا العرض التاريخي لعينة من المحطات الملفتة من حياة الجامعة، يهدف الى إبراز الفرق بطبيعة المواقف والأهداف، فإذا كانت المرحلة الممتدة من أوائل الخمسينات وحتى بداية الحرب اللبنانية، هي مرحلة بناء وتطوير وتفعيل للأجواء الأكاديمية فيها نرى بأن المرحلة الأخيرة تميزت بحال من الركود والمراوحة مع بعض التقدم والتطور لاسيما في كلياتها التطبيقة أضف الى ذلك بأن القرارات البديهية المتعلقة بتعيين عمداء وتشكيل مجلس جامعةوتفريغ الأساتذة والتي تأتي عادة في سياق إداري ملزم حسب قوانين وأنظمة الجامعة، إستوجبت كما رأينا هذا النضال المرير والنزول الى الشارع والإعتصام في الطرقات من قبل فئة من الناس تشكل نخبة هذا المجتمع بدورها المتكامل مع دور الفئات الإجتماعية الاخرى.

إن الجامعة اللبنانية التي انشئت في العام 1951 من خلال الدار العيا للمعلمين، لم تكن نتاج لرؤية إستراتيجية للدولة متعلقة بنظرتها الى مستقبل التعليم العالي في لبنان ودوره في إعداد الكادرات الكفوءة القادرة على إستلام زمام الأمور في البلاد، بل أن هذه المؤسسة تأسست وتوسعت ونظمت بقوانين ومراسيم بفعل ضغط الشارع وبتحرك القوى الديمقراطية في لبنان هذه القوى والتي كان دوما على رأسها الحزب التقدمي الإشتراكي ورئيسه المعلم الشهيد كمال جنبلاط، هي التي دافعت عن الجامعة، وها هي اليوم تكمل الطريق وتسعى جاهدة الى حماية هذه المؤسسة التي تعتبر الى جانب الجيش والإدارات العامة المرتكز الفعلي والثابت لبناء الدولة العصرية اذا كان هناك من نية ورغبة وتصميم في بناء هذه الدولة.

الحزب التقدمي الإشتراكي الذي نادى بإبعاد الجامعة عن المحاصصة الطائفية والمذهبية على مدى السنوات العشرين الأخيرة مارس هذه القناعة من خلال المواقف والخطوات. فكان دائما فوق الإعتبار الطائفي والمذهبي عند تعيين أي مدير أو عميد في أي مكان إيمانا منه بأن الكفاءة تبقى المعيار الأساسي والوحيد في عملية بناء البشر، وإذا إهتز مستوى التعليم الجامعي سيبقى الوطن كل الوطن في دائرة خطر مجهولة النتائج على حد تعبير الرئيس وليد جنبلاط.

من جديد، وفي الإستحقاق الأخير لتعيين العمداء وتفرغ الأساتذة إتخذ الحزب بشخص رئيسه الموقف القديم الجديد حيال القضايا المطروحة، ليبرهن مرة اخرى صدق النوايا والأهداف وليعبر عن حرصه الشديد على الجامعة ومستقبلها. متخذا الموقف المناسب الذي أدى الى إقرار هذين الملفين بعد نقاش ماراتوني تمسك فيه كل طرف على طاولة مجلس الوزراء بحصته الطائفية والمذهبية. بأستثناء وزراء الحزب الذين إعتبروا بأن الجامعة هي حصة الوطن كل الوطن بجميع أبنائه دون تفرقة أو تمييز. فكان هذا الموقف الكبير والمشرف الذي أنتج التوافق وأدى الى إقرار هذه الملفات الضرورية للجامعة وأهلها.

إن الدفاع عن الجامعة اللبنانية وبقائها مرهون بمثل هذه المواقف الشجاعة والوطنية، فحبذا لو تحذو كل القوى السياسية حذو الحزب التقدمي الإشتراكي في مقاربة ملفات الجامعة اللبنانية كي تبقى مؤسسة رائدة وجامعة لخيرة شابات وشباب لبنان.

كلمة أخيرة للزميلات والزملاء المتفرغين . نعلم جيدا بأن الجامعة تعيش مرحلة صعبة ومعقدة ولهذا الواقع أسباب كثيرة لسنا بصدد إثارتها اليوم، لكننا نعلم أيضا بأن إقرار تفرغكم الذي أمن الإستقرار الوظيفي لكم ولمن هم أساتذة بالتفرغ والملاك، يجب أن يشكل صدمة إيجابية نوعية في الجامعة, سيما وكما أشير في البداية فقد تقاعد في السنوات الأخيرة المئات من الزملاء الكفوئين وأنتم البدائل عنهم في معركة الدفاع عن الجامعة وعن إستمرارها موئلا لأهل العلم والثقافة؟. فالرهان كبير على دوركم الإيجابي والفاعل البعيد عن كل إصطفاف لا يخدم الجامعة وأهلها. ودوركم مهم في إختيار مندوبي أساتذة الكليات لإستكمال تشكيل مجلس الجامعة وجعله إطارا فاعلا وحاسما قي مناقشة قضايا الجامعة وإيجاد الحلول السليمة والملائمة لمشاكلها. دوركم هام في إختيار مندوبين جدد للرابطة في السنوات المقبلة كي تبقى الرابطة الذراع النقابي القادر والفاعل على حمل مطالبكم. وكي تبقى الرابطة مؤسسة حرة محصنة بكم وبمواقفكم الصلبة التي تحميها من كل أنواع التدجين المعتمدة في هذا البلد .

أسئلة كثيرة وكبيرة برسم كل إستاذ جامعي في مرحلة تستوجب القيام بكل جهد ونشاط علمي أكاديمي من شأنه أن يبعد جامعة الوطن عن دائرة الخطر ويجعلها منارة علم وعمل وتفوق ومعرفة…

 ——————————————–

(*) استاذ جامعي