الشيخ حسن: وطننا مأزوم والسياسيون عاجزون عن انتخاب رأس الحكم

– ام شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، صلاة عيد الفطر صباحا في مقام الامير عبد الله التنوخي في عبيه، بمشاركة فاعليات روحية وزمنية. وعقب الصلاة القى حسن خطبة العيد، ورأى فيها أن “الحكومة الحالية شكلت بتأليفها فرصة للمضي قدما إلى معالجة جذرية تصحح المسار الوطني باتجاه قيام الدولة بكل مؤسساتها لأنها السبيل الوحيد إلى التصدي لكل الأزمات العاصفة”.

وقال: “إن أول شهر صيام قام بواجبه وأدى فريضته المسلمون، كان في السنة الثانية للهجرة. تلوا القرآن الكريم بقلوب صافية، وعقول حاضرة، واستشعار مهيب. وكانوا جماعة كالبنيان المرصوص لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار? (النور 37). وكانوا قلة، لكنهم، بإيمانهم الحقيقي الصادق، طوعوا العالم القديم، ناقضين جاهليته ووثنيته، وحاضنين أهل الكتاب بما أمرهم الله تعالى، طائعين للحق، ناصرين للعدل، ثائرين بصدور حرة على كل ظلم. هكذا، بنوا لاحقا حضارة إنسانية جامعة. وفسحة تآلفت فيها الشعوب وتعارفت. وكان للاسلام وجها سمحا، ومقاربة أخلاقية لم تزل حتى يومنا هذا”.

أضاف: “ونحن اليوم، في حضرة مقاصد عيد الفطر التي أرادها الله سبحانه وتعالى سراجا مضيئا للنفوس، ونورا سنيا للعقول الطائعة. والاحتفال بعيد الفطر هو في حقيقته استشعار الروح واستذكار العقل وفرح القلب بنعمة إلهية من بها الله العلي القدير على عباده مستمدين الهدى من القرآن الكريم بما هو نور للبصيرة، وبما هو هدى للقلوب والعقول، وبما هو غذاء لطيف مبارك للأرواح الإنسانية التي غايتها أن تترقى في معارج الأخلاق والعلم والمعرفة والتحقق السني. والآيات الكريمة التي لا يكفيها ذكر اللسان، ولكن مسكنها الحقيقي هي القلب والنية وخبايا الصدور”.

وتابع: “كما نقف اليوم خاشعين، وفي بالنا هذه الصورة للاسلام في حقيقتها الروحية. نقف بقلب يعتصره الألم، متعاطفين مع أهلنا في غزة الجريحة، ولكن الواقفة بإباء مستمد من قوة الحق في وجه مأساة كبيرة وعميقة. ومن حولها أمة مهشمة، تعصف فيها الفتن، وتهددها الانقسامات، وتكاد المخاطر الفادحة أن تقصم ظهرها. وما يجعل الأمور مقلقة أكثر، غياب اي تحرك فاعل من المجتمع الدولي والعربي ومختلف المحافل الدولية لوقف حمام الدم المفتوح في المنطقة، من غزة الى تهديد الوجود المسيحي في العراق، والى نزيف الدماء في سوريا، وقد باتت الأوضاع في حالة الإنذار النهائي لانفراط المشهد الجيو-سياسي في الشرق الاوسط برمته. وما نخشاه ونجزع منه هو أن يتخذ الدين الحنيف ذريعة في صراع مصالح الدول، ووسيلة لإثارة العصبيات التي هي أقرب إلى الجاهلية منها إلى روح الإسلام، بل أن يصير سببا للولوج في الفتن والاقتتال في بلداننا”.

وقال: “علينا في لبنان ألا يقتصر تضامننا على المبادرات الإعلامية، والكلام المتواتر. يكون تضامننا ذي معنى إن أقبلنا بإرادة واعية على استدراك الأخطار المحدقة بوطننا المأزوم. وكيف لا يكون مأزوما وأهل السياسة عندنا عاجزون عن انتخاب رأس الحكم، وذلك لغياب الارادة الحقيقية لدى القوى السياسية وعدم دعم الوسطية. والوضع الامني لا يبعث على الطمأنينة في ظل تراكم المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن اللبناني. إن الحكومة الحالية شكلت بتأليفها فرصة للمضي قدما إلى معالجة جذرية تصحح المسار الوطني باتجاه قيام الدولة بكل مؤسساتها لأنها السبيل الوحيد إلى التصدي لكل الأزمات العاصفة التي تكاد تودي ببلدنا إلى واقع مخيف مجهول ما لم يتم مجابهتها بالآليات المنتظمة التي تحرك النظام السياسي للقيام بدوره بقوة وحنكة. ما لم ننجح بحدوث هذا الأمر، نكون كمن يساعد المتربصون شرا ببلدنا، علينا”.

أضاف: “أملنا ورجاؤنا في هذا العيد بما يكتنزه من معاني المحبة والتضامن، أن يمن الله على القيادات السياسية في لبنان بعميق البصيرة والتبصر لتجنب الأهوال الشاخصة أمامنا ووقاية بلادنا من الويلات، والتوافق الفوري على إتمام الاستحقاق الرئاسي، ضمانا لبقاء واستمرارية الحياة الدستورية وفتحا في المجال لمعالجة باقي الملفات الحياتية الملحة في حياة المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا وماليا. إن الوقوف في رحاب الفطر السعيد يجب أن يكون وقوفا عند حقائق الهدى. وهذا أمر يوجب أن تسترشد السياسة منه وتخضع له، لا أن تسخره في خدمة المصالح المناقضة لمعنى الحكم الذي يجب يقينا أن يكون عادلا ومنصفا يحقق مصالح الناس وخير الأمة. هذه هي المعاني الرمضانية التي يجب أن نحتفي بها اليوم متطلعين إلى الالتزام بها، والذود عنها، واعتقادها سبيلا إلى التصرف بالشأنين الخاص والعام. إن المضي عكس هذه الحقيقة الدامغة يوصلنا إلى المآسي والعجز إزاءها، كما يتبدى اليوم في كثير من شؤوننا”.

وختم حسن: “نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل. وأن يظلل شعوبنا بنعمته ورحمته وإحسانه لكي يعود إليها فيء السلام، منه السلام عز وجل وإليه السلام”.