إبقاء الجبهة الشمالية الإسرائيلية تحت السيطرة

مع استمرار عملية “الجرف الصامد” التي تقوم بها إسرائيل في غزة، يطال الصراع تقريباً غالبية المدن الإسرائيلية الكبرى، بما في ذلك المناطق القريبة من الحدود الشمالية. إلا أن المدن في شمال البلاد لم تبدأ بعد باستخدام الملاجئ بسبب عمليات «حماس»، بل بسبب الصواريخ المتفرقة التي تصيبها من لبنان وسوريا. فكما كان عليه الحال خلال العمليات السابقة في غزة، يُبدي الإرهابيون اللبنانيون والسوريون تضامنهم مع جماعات في القطاع من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل، الأمر الذي يزيد من احتمال التصعيد على الجبهة الشمالية، وهو أمر مستبعد في الوقت الراهن إلا أنه ممكن.

لبنان

منذ أن بدأت عملية “الجرف الصامد” في 8 تموز/ يوليو، تم إطلاق ما لا يقل عن أربعة صواريخ من لبنان على إسرائيل، في حين أوقف الجيش اللبناني محاولات أخرى قبل إطلاقها. ويُعتقد أن جميع هذه العمليات والمحاولات لإطلاق الصواريخ هي من عمل الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان.

وتجدر الإشارة إلى أن هذ العادة لإطلاق الصواريخ قد حصلت بشكل متقطع أيضاً في خلال عملية “عمود السحاب” في عام 2012 وعملية “الرصاص المصبوب” ما بين عامي 2008 و2009، كوسيلة للمجموعات الفلسطينية الصغيرة في لبنان لكي تظهر تضامنها مع الكفاح الفلسطيني. وتُعتبر الصواريخ التي تستخدمها هذه الفصائل قديمة بغالبيتها وذات قدرة محدودة على التسبب بأضرار جسيمة.

من جانبه، من المستبعد جداً أن يلجأ «حزب الله» إلى التصعيد لا سيما وأن العديد من مقاتليه منشغلين في القتال العنيف في سوريا. ففي الأسبوع الماضي فقط، قُتل سبعة عناصر من «حزب الله» على الحدود اللبنانية السورية، وهي الجبهة التي أودت بحياة المئات من مقاتلي «الحزب». إضافة إلى ذلك، إن الوضع الأمني ​​الداخلي في لبنان غير مستقر، خاصة في الأحياء الشيعية حيث أن الإرهابيين من الجماعات الجهادية يستهدفون السنية المدنيين والعسكريين؛ وتشمل هذه الجماعات «جبهة النصرة» و «الدولة الإسلامية» (التي تعرف أيضاً باسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»]).

ولكن في الوقت نفسه، لطالما استخدم «حزب الله» ولفترة طويلة مفهوم “المقاومة” كأداة رئيسية لحشد الدعم، لذا يحتاج أحياناً أن يظهر أنه لا يزال يحارب “الكيان الصهيوني”. لهذا السبب نفّذ عمليات متفرقة من هضبة الجولان ضد إسرائيل في الأشهر القليلة الماضية. إلى جانب ذلك، وفي خلال مكالمة هاتفية مع قادة حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي في فلسطين» في 20 تموز/يوليو، أكد زعيم «الحزب» حسن نصر الله على “دعم «حزب الله» والمقاومة الإسلامية في لبنان للمقاومة في غزة”. وفي الواقع، يشكّل جنوب لبنان حصن «حزب الله»، ومن الصعب التصديق بأنه يمكن إطلاق الصواريخ من تلك المنطقة دون علمه. وبالتالي، قد يغض «حزب الله» الطرف عن نشاطات المنظمات الفلسطينية في الجنوب، أو حتى أسوأ من ذلك، قد يوافق على إطلاق تلك الصواريخ المتفرقة. ويُذكر هنا أن الخيار الأخير غير محتمل، لكن الحزب كان يتمتع بعلاقات طيبة مع الفصائل الفلسطينية في الماضي، ومن المرجح أنه لا يزال ينسّق معها إلى حد ما.

وكما حدث الأسبوع الماضي وفي مراحل أخرى، من المرجح أن تستمر إسرائيل في الرد على عمليات إطلاق الصواريخ المتفرقة من لبنان بإطلاقها عدد قليل من قذائف المدفعية وليس أكثر من ذلك. ولكن إذا ما نتجت ضربة مباشرة عن إحدى هذه الصواريخ بحيث تؤدي إلى حدوث إصابات خطيرة أو وفيات، فإن ذلك سيغير المعادلة. وفي هذه الحالة، ستشعر إسرائيل بأنها مضطرة إلى الرد بقوة أكبر، وربما إلى ضرب معسكرات تدريب الإرهابيين الفلسطينيين في لبنان. ولا يزال هذا الإحتمال بعيداً في الوقت الراهن، ولكن لا ينبغي إستبعاده بشكل كلّي.

وبعد سنوات طويلة من الحروب العلنية والسرية، تعلم كل من إسرائيل و«حزب الله» كيف يؤذيان بعضهما البعض دون اللجوء إلى التصعيد. ومن غير المرجح أن يكون الوضع مختلفاً هذه المرة، إذ يفضّل الجانبان شن الحرب على بعضهما البعض في ساحات أخرى وليس على الحدود اللبنانية.

سوريا

في الأسبوعين الماضيين، تعرضت إسرائيل مرتين لعمليات إطلاق نار من الأراضي السورية وهي: هجوم بقذائف الهاون في 13 تموز/يوليو، وهجوم صاروخي في اليوم التالي. وقبل أحداث غزة الأخيرة، شهدت الحدود عدة حوادث استهدفت القوات الإسرائيلية، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في 22 حزيران/يونيو بصاروخ مضاد للدبابات تم إطلاقه من موقع عسكري للنظام السوري وأسفر عن مقتل صبي إسرائيلي. وفي العديد من الحالات، لم يتضح بشكل دقيق من هم الذين ارتكبوا تلك الحوادث – سواء قوات النظام، أو «حزب الله»، أو غيرهما من الجهات الفاعلة – لا سيما نظراً إلى حالة التجاذب على السيطرة بين النظام والثوار. وعلى كل حال، تنظر إسرائيل إلى النظام بأنه مسؤول عن الحدود بصورة عامة.

أما بالنسبة إلى العقلية في دمشق، فقد شنت إسرائيل عدداً من الضربات الجوية في سوريا على مدى العامين الماضيين، لذا من المرجح أن يعتقد بشار الأسد ومسؤولي النظام الآخرين بأنهم يتمتعون بحق الرد بصورة أو بأخرى. وفي أيار/مايو 2013، وفي أعقاب إحدى تلك الهجمات، صرّح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قائلاً: “عندما تشن [إسرائيل] هجوماً، يكون ذلك بمثابة إعلان حرب … لقد تعاملنا مع هذا الوضع عدّة مرات وقمنا بالرد بالطريقة التي أردناها ولطالما كان ردنا مؤلماً بالنسبة لإسرائيل، وهي ستعاني من جديد”. بالإضافة إلى ذلك، شعر الأسد بأمان وقوة أكبر في الأشهر الأخيرة الماضية، لا سيما بعد “إعادة إنتخابه” في حزيران/ يونيو، والانتصارات المختلفة التي حققها نظامه في المعارك ضد المتمردين، واقتراح من قبل بعض المسؤولين الأمريكيين حول العمل معه لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية». لهذه الأسباب وغيرها، قد يشعر الرئيس الأسد بالراحة في اختبار عزم إسرائيل من خلال التغاضي عن قيام أعمال عنف على الحدود أو ربما حتى إصدار أوامر بتصعيدها.

بيد، الآن ليس هو الوقت المناسب لاختبار استعداد إسرائيل للقتال مرة أخرى. ففي حين تنخرط البلاد بقوة في عملية “لاستعادة قوة الردع” في غزة، لن تمتنع الدولة اليهودية عن الرد على أي تهديد من الحدود السورية. ففي الأسبوع الماضي، ورداً على الصاروخ الذي أُطلق من سوريا، قصفت إسرائيل منزل محافظ القنيطرة – البلدة التي تقع على الحدود مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، يتعيّن على إسرائيل الإعتراف بأن الرئيس السوري لن يكون قادراً على تجاهل بعض العمليات العسكرية. وبالتالي، إذا لا تريد إسرائيل تصعيد الموقف بصورة أكثر، لا بد لها من التصرف بمسؤولية أيضاً. ويتعين على الجانبين تجنب الحسابات الخاطئة التي قد تزيد الوضع سوءاً.

الجهات الفاعلة الأخرى

تبرز إمكانية وجود جماعات تابعة لـ تنظيم «القاعدة» على الحدود مع سوريا ولبنان بصورة دائمة؛ ومن بين هذه التنظيمات «كتائب عبد الله عزام» أو «جبهة النصرة» أو حتى المتطرفين من «الدولة الإسلامية» التي تستفيد من الأوضاع لتظهر أنها على استعداد لمحاربة إسرائيل. على سبيل المثال، أطلقت «كتيبة زياد الجراح» التابعة لـ «كتائب عبد الله عزام» صواريخ على إسرائيل في عامي 2009 و2013، وقد تفعل ذلك مرة أخرى على الرغم من أنها، إلى جانب منظمات مماثلة، تصب تركيزها حالياً بصورة أكثر على الساحتين السورية واللبنانية.

الخاتمة

خلاصة القول أن إسرائيل وأعدائها لا يريدون المزيد من التصعيد في الشمال. فكل جهة من الجهات الفاعلة الرئيسية مشغولة في المعارك الخاصة بها على مختلف المحاور، ولا تريد أي منها فتح جبهة جديدة.

وحتى مع ذلك، وفي حين يعرف «حزب الله» وإسرائيل حسابات بعضهما البعض بشكل جيد، لم يحصل هناك العديد من الاشتباكات بين سوريا وإسرائيل، ولا تفهم حكومة أي من البلدين التفكير السياسي والعسكري للبلد الآخر بشكل تام. لذا، يجب على الجانبين الامتناع عن الرد بعنف. وعلى نطاق أوسع، لا يمكن لأحد أن يتنبأ إمكانية حدوث تصعيد غير مقصود في الحالات التي يتم فيها تبادل إطلاق النار الحي، كما كان عليه الحال في الأسبوع الماضي. وكما ذُكر آنفاً، يمكن لصاروخ واحد فقط إلحاق أضراراً جسيمة في شمال إسرائيل بحيث يؤدي بسرعة إلى اندلاع قتال خطير.

———————————-

(*) معهد واشنطن