تفرّقوا على الرئاسة وتجمّعوا حول غزة

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

للمرة التاسعة على التوالي يفشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للعماد ميشال سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو الماضي. فقد حضر 59 نائباً الى القاعة، بينما المطلوب حضور 86 نائباً على الاقل، وهو العدد الذي يشكل ثلثي اعضاء البرلمان، لتوفير النصاب المُعتمد لجلسة الانتخاب.

طبعاً، وكما كل مرة حضر نواب قوى 14 آذار، والوسطيين وبعض كتلة الرئيس نبيه بري، وقاطع نواب التيار الوطني الحر وحزب الله، وباقي قوى 8 آذار. ولم يبعث المقاطعون كتاب تبرير يذكر سبب عدم حضورهم، وفقاً للأعراف في الانظمة البرلمانية الديمقراطية، ولكن بالتأكيد وراء غيابهم  معرفتهم المُسبقة ان مرشحهم العماد ميشال عون لن يتمكن من الحصول على الاغلبية من الاصوات للوصول الى قصر بعبدا.

شغور سدة الرئاسة في لبنان سمَّم الحياة السياسية، والقى بظلاله الثقيلة على مختلف زوايا البلاد، واضاف عليها عتمة اكلحت الظلام الذي تعيشه من جراء التوترات المحيطة، ومن الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، ومن الاخفاقات الاقتصادية الكبيرة الناتجة عن بعض التوترات الامنية، وعن مشكلة النزوح السوري المُخيف الى مختلف المناطق.

التسابق في القاء التهم حول مَن يقف وراء تعطيل الانتخابات الرئاسية، لم يعُد ذو معنى، والبطريرك الراعي اتهم علناً المُتخلفين عن الحضور الى المجلس بمخالفة الدستور الذي يدعوا النواب للشروع فوراً الى انتخاب رئيس قبل انقضاء عشرة ايام من ولاية الرئاسة. ولكن المُتخلفين عن الحضور لهم تبريراتهم السياسية. وهذه التبريرات ليست كافية من الناحية القانونية، ولكن الدستور لا ينصُّ على آلية لمحاسبة هؤلاء على عدم الحضور. بل ان هذا الدستور يحمي الحرية المُطلقة للنائب بالتصرف بإستقلالية، ودون ان يتحمل اية مسؤولية جزائية اوتأديبية عن مواقفه، وفقاً للمادتين 39 و40  من الدستور.

حرب الالغاء في الساحة المسيحية عادت سياسياً بقوة، بعد ان فشِلت عسكرياً في العام 1989، وفرقاء الصراع  هم انفسهم تقريباً. فقد خلعوا البدلة العسكرية، وارتدوا احدث ربطات العنق الباريسية، وترشحوا لمنصب رئاسة الدولة، وتعايش اللبنانيون جميعاً في كون الاقطاب المُرشحين زعماء من الصف الاول، كغيرهم من الطاقم السياسي اللبناني.

في الاسبوع المُنصرم، دخلت على الملف الرئاسي اللبناني مُعطيات جديدة، كان ابرزها كلام الرئيس سعد الحريري، والذي فهمه العماد عون انه دليل قاطع على استحالة حصوله على تأييد اصوات كتلة المُستقبل الوازنة. وكذلك الامر، فقد تداولت الاوساط السياسية معلومات عن توافر حظوظ التوافق على احد شخصيتين، واحدة سياسية لها تاريخها المشهود في التعاطي مع معظم الفرقاء، وثانية عسكرية ساهمت التطورات في ازالة بعض الشوائب من طريقها، واجرت مصالحات علنية مع ابرز المعارضين لها.

في ظلِ كل هذه المخاطر الداخلية والخارجية في لبنان، أطلَّت كارثة غزة، واصبحت مأساة الاطفال والنساء والعُجَّز من ابناء الشعب الفلسطيني تطغى على حديث كل اللبنانيين. وفي لبنان لا تشعُرُ ان احداث غزة موضوعٌ خارجي، بل هو بمثابة الشأن الداخلي اللبناني، ذلك من جراء مشتركات القربى الواسعة بين الشعبين، ومن جراء الصفاء القومي الذي يتغلغل داخل البيئة الاجتماعية اللبنانية على شاكلةٍ واسعة.

وقد تأكد الترابط المصيري بين لبنان وفلسطين من خلال محاولات الاعتداء المُتكررة التي قامت بها الآلة العسكرية الاسرائيلية في الجنوب، تحت ذرائع واهية، لعلَّ اهم هذه الذرائع عمليات بدائية قام  بها بعض الافراد، واطلقوا صواريخ بإتجاه الاراضي الفلسطينية المُحتلة، انفجر معظمها داخل الاراضي اللبنانية.

الاندفاعة التضامنية اللبنانية وصلت الى مستوياتٍ مُتقدمة، فكانت نشرة الاخبار الموحدة التي اطلت بها شاشات التلفزة اللبنانية التسع – يوم الثلاثاء الماضي – قمة في الالتقاء الوطني والقومي. فهذه الشاشات تتباعد سياسياً الى حدودٍ واسعة، وهي على خصامٍ كبير، وتتنافس بحدة فيما بينها، ومعظمها يتبع لأحزاب تقاطع بعضها البعض، ويكاد التباين بين مواقفها يصِلُ الى حدِ العداء.

الابرز في مسيرة التضامن اللبناني مع غزة، كان الدعوة لجلسة برلمانية للتضامن مع الفلسطينيين، ولإدانة اعمال التهجير الشنيعة للمسيحيين من الموصل. والاجتماع ليس مجرد ا عمل تضامني فقط. بل هوحدثٌ سياسيٌ كبير، فالبرلمان لم يتمكن من الاجتماع لإنتخاب رئيس للدولة، وهو ممنوعٌ من ممارسة الاعمال التشريعية بحجة عدم جواز انتاج قوانيين بغياب رئيس الجمهورية، وانعقاده يشكلُ شفاءً لغليل رئيس المجلس الذي يحاول منذ مُدة فتح ابواب القاعة العامة تحت طائلة عدم دفع رواتب الموظفين، ولكنه لم يوفَّق.

لقد وحدت فلسطين ما فرقته الرئاسة، فهل يكون ذلك مؤشر على  امكانية إلتآم المجلس  مُجدداً في 12 اغسطس وانتخاب رئيس جديد. وقد يكون ذلك اشدُّ انواع التضامن مع غزة، واجمل هدية لأطفال فلسطين.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل