تهجير المسيحيين في شرق اللامواطن

رفيق خوري (الانوار)

مشكلة المسيحيين في الشرق هي الوجه الآخر لمشكلة المسلمين: غياب الأساس الذي حدده ارسطو للدولة قبل آلاف السنين، وهو ان الدولة جماعة مواطنين عاقلين أحرار لا جماعة مؤمنين. وغياب ما قادت اليه تطورات العصر، وهو ادارة الدولة بالديمقراطية الليبرالية.

فلا نقص لدى المسلمين في استنكار التهجير باسم الاسلام للمسيحيين من الموصل على يد داعش. ولا في استهوال الوصول الى شرق بلا مسيحيين تدفعهم الى الهجرة تنظيمات أصولية انتقاماً من غرب تجاوز المسيحية. النقص لدى المسلمين والمسيحيين هو في وجود خطة عملية للعيش معاً بالمعنى السياسي لا فقط الاجتماعي والبيولوجي، وبالتالي الحفاظ على التنوع والتعدد في الشرق ومواجهة التعصب والانغلاق.

ذلك أن قيام داعش بتخيير المسيحيين بين اعتناق الاسلام أو دفع الجزية أو الهجرة، وإلا السيف يضع علامات استفهام كبيرة على ما قيل من أن ما حدث في بعض محافظات العراق هو ثورة سنية على التهميش شارك فيها بعثيون ورجال عشائر مع داعش. وليس ما فعلته داعش من المفاجآت بعدما كاد التهجير أن يفرغ القدس والناصرة وبيت لحم من المسيحيين،والأصوليات والصراعات تفرغ العراق من المسيحيين منذ الغزو الأميركي، وتكمل المهمة نفسها في سوريا خلال الحرب.

حتى ردود الفعل على قيام داعش باعلان دولة الخلافة، فانها كانت معبرة: قليلها اعترض على الفكرة التي رأى ان الزمن تجاوزها، وكثيرها جادل في التفاصيل والشروط التي رأى أنها غير جاهزة لاعلان الخلافة.

والواقع ان الهدف النهائي الذي رسمه مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا هو اعادة الخلافة، لأن الدولة لا يمكن أن تكون إلاّ اسلامية، ولأنه ليس هناك مفهوم المواطن بل مفهوم المسلم. وهذا عملياً ما تدور حوله تنظيمات الاسلام السياسي، وان اعترف بعضها في العمق ان الدنيا تغيّرت، وشدّد بعضها الآخر على أن كل شيء يبقى دون القيام بالواجب الشرعي ان لم تكن عودة الخلافة هي الهدف العملي.

صحيح ان مفهوم داعش للخلافة ضيّق ومتشدّد ومعاد لكل الأقليات وقاسٍ حتى على المسلمين الذين يخالفونها الرأي. لكن الصحيح أيضاً ان مواجهة هذه القيادات الأصولية المتشدّدة، سواء لدى الأنظمة الدينية أو لدى الأنظمة الأمنية، كانت ولا تزال تكتفي بالسجون والعنف وصولاً الى الحرب، من دون المواجهة الفكرية للفكر التكفيري. وهو ما كشفت حرب سوريا وحرب العراق وامتداداتهما الى لبنان خطورة جاذبيته لشباب من مختلف البلدان.

والمواجهة تبدأ من اعادة الاعتبار الى مفهوم المواطن، وإلاّ صار الشرق مقبرة.

اقرأ أيضاً بقلم رفيق خوري (الانوار)

أي مبارزة بالصواريخ بين أميركا وروسيا؟

الصعب والمستحيل في أزمة مفتوحة

سوتشي عكس جنيف أم الطريق اليه؟

لا مشروع بل ممانعة للمشروع الاقليمي الايراني

فرصة المخرج الفرنسي وتحديات المدخل اللبناني

تباين في توظيف المعركة ضد داعش

أي ادارة ومعيار لتنظيم الخلاف؟

سوريا أرض اللقاء بين الكبار المختلفين

ماذا بعد الاقتراب من المدار الروسي؟

أبعد من خلاف المتفقين على عودة النازحين

ليس بالقانون وحده يحيا التمثيل الصحيح

عناصر القوة والضعف في محاربة داعش

العودة الى جنيف من طريق استانا

محاربة الارهاب الداعشي ومواجهة الفقه الداعشي

قمة البحر الميت: تحدّي إحياء العروبة

منبر لتوجيه رسائل لا مركز للقرار

موسكو حامية النظام وراعية المنشقين عنه

أبعد من القانون وانتخابات خائف ومخيف

مسؤوليات ما بعد نجاح الزيارة الرئاسية

أي ابتعاد للبنان عن الصراعات الخارجية؟