جنبلاط: ألم يدرك حكام العرب بأن فلسطين وحدها تعطيهم شرعيّة الوجود وليس العكس؟

أدلى رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بالتصريح التالي:

مع إستمرار المحرقة اليوميّة في قطاع غزة، يعجز المرء عن العثور على الكلمات في أي قاموس التي تعبّر عن السخط والغضب إزاء ما يجري في ظل حالة السقوط الأخلاقي الكامل لكل مكونات ما يُسمّى المجتمع الدولي والمجتمع العربي، حيث تتراوح المواقف بين المتفرّج الذي يضمر في الباطن كرهه لغزة وأهلها الفلسطينيين وبين المبرر لاسرائيل عدوانها المستمر وبين اللامبالي الذي لا تعنيه إحصاءات الأرقام وأعداد الشهداء المتزايدة يومياً والتي ناهز عددها الستماية منذ بدء الحرب.

فها هو الغرب لا يزال أسيراً للمحرقة النازيّة ويتلطى خلفها ليساوي الضحيّة بالجلاد متغاضيّاً عن الجريمة المركزيّة والأساسيّة التي تقف خلف كل ما جرى ويجري ألا وهي الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وقيامه منذ عقود بتهجير الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم ومصادرة بيوتهم ومنعهم من نيل حقوقهم الوطنيّة المشروعة. والذريعة التي إستخدمها الاحتلال لشن العدوان الجديد، ألا وهي قتل الاسرائيليين الذين ينتمون أصلاً إلى الاحتلال، ليست سوى للتغطية على الأهداف الحقيقيّة ألا وهي إبادة الشعب الفلسطيني. أما الصواريخ فلا تعدو كونها وسيلة للدفاع عن النفس في مواجهة آلة الحرب الاسرائيليّة وقد برهنت فاعليتها في أكثر من مجال.

فرنسيّاً، أين هو موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يتغاضى عن المحرقة الجديدة ضد الفلسطينيين متناسياً التراث القديم لهذا الحزب في العديد من المحطات ولعل أبرزها تلك الوقفة التضامنيّة للاشتراكيّة الدوليّة أثناء حصار بيروت سنة 1982. أما اليمين الفرنسي فهو على درجة من الغباء التي لا تُوصف. وكأن القنبلة الموقوتة التي تتمثل بالجاليات الاسلاميّة في البلدان الغربيّة لا تستحق الاهتمام من حكوماتها وهي قد تنفجر في وجهها في أي وقت نتيجة تراكم الحقد والكراهيّة وتعميق مشاعر معاداة الساميّة.

ألمانيّاً، ألم يحن الوقت للخروج من تلك العقدة التاريخيّة التي مثلتها المحرقة النازيّة ضد اليهود، وهي مدانة في كل الأحوال؟ ألا تكفي كل الاعتذارات والسياسات والمواقف والتعويضات الماليّة التي أقرتها إتفاقيّة لوكسمبورغ التي أقرّت سنة 1952 والتي دفعت ألمانيا بموجبها مليارات الدولارات لاقفال هذا الملف بعد أن عادت به إلى العام 1933. إن الموقف الألماني، للأسف الشديد، يزداد خضوعاً وجبناً وتراجعاً.

أميركيّاً، أين هي شعارات حقوق الانسان التي ترفعها الادارة الأميركيّة غب الطلب وفق سياساتها ومصالحها وتغض النظر عنها أيضاً وفق سياساتها ومصالحها؟ الى ماذا افضت عشرات السفرات المكوكية الفارغة التي قام بها وزير الخارجية اﻻميركي التي لم تتعد العراضة اﻻعﻻمية؟ والى متى سيستمر التجاهل اﻻميركي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لﻻبادة تحت ذريعة محاربة الإرهاب؟ ان الدعم الأميركي المطلق واﻷعمى ﻻسرائيل إنما يعبر عن غياب منظومة القيم لدى اﻻميركيين والتي كانت بدأت منذ قيام الدولة اﻻميركية على أرض الغير!

روسيّاً، يبدو أن السيد بوتين قرر محو كل تاريخ أسلافه وتراث الاتحاد السوفياتي في دعم القضيّة الفلسطينيّة، وهو يركز كل إهتماماته في كسب قضيّة خاسرة في أوكرانيا أو إستعادة أمجاد الامبراطوريّات الواهية.

أما إيرانيّاً، فجأة طغت حسابات البازار النووي على القضيّة التي كانت دائماً تؤكد وقوفها إلى جانبها، أي القضيّة الفلسطينيّة، وتم التغاضي عن المحرقة المستمرة في قطاع غزة وأدّت إلى سقوط المئات من الشهداء في الوقت الذي تتواصل فيه النقاشات النوويّة وغير النوويّة في فيينا.

كم هو رائع الموقف التاريخي الذي أعلنه من مجلس العموم البريطاني آخر الناجين من حصار فرصوفيا النائب جيرالد كوفمان الذي أدان فيه تخاذل الغرب ونجح في إطلاق التشبيه الصحيح بين الارهاب الصهيوني بالارهاب النازي. إن هذا الموقف المتقدّم لكوفمان، وهو ليس الأوّل من نوعه في مسيرته السياسيّة، يتجاوز بجوهره وعمقه الكثير من المواقف المتخاذلة عربيّاً ودوليّاً.

ختاماً، ألم يُدرك حكام العرب من المنتمين إلى العهد القديم أو العهد الجديد بأن فلسطين وحدها تعطيهم شرعيّة الوجود وليس العكس؟ ألا يعلمون أن الأشلاء المتناثرة ستؤدي إلى الاجنحة المتكسرة مهما قويت تلك الاجنحة وإشتد عودها؟ لكل الذين يعولون على تحوّل غزة إلى أشلاء فقط، فالمؤكد أن أشلاء الشهداء سترتد عليهم جميعاً وستحوّل العالم العربي برمته أشلاءً مقطعة، وعندئذٍ ستكون التطورات مفتوحة على كل الاحتمالات وخارجة عن كل قيود السيطرة!