جوهر معركة غزّة

جليل الهاشم

منذ أكثر من ستين سنة واسرائيل تتصرف تجاه الشعب الفلسطيني وكأنه شعباً غير موجود وأن أرضه هي مجرد مساحات يتم استردادها والاستيطان فيها. إن عمق المشكلة الحالية بين إسرائيل وغزّة يكمن هنا بالضبط والموضوع ليس موضوع إجتهادات حول من بدأ الحرب ومن لم يبدأها فالقطاع البالغة مساحته 360 كلم2 قسم كبير منها من الأراضي العمرانية يأوي نحو مليون و600 الف مواطن يعيشون في ظل حصار قاتل من كل النواحي الأمنية والغذائية والاقتصادية والمعيشية والطبية. وليس صحيحاً ما تحاول اسرائيل أن تقوله من أن القطاع كيان مستقل أو دولة أجنبية تمارس ضدها أعمال اعتداء وقصف. فهذا القطاع ومنذ انسحاب القوات الاسرائيلية أُبقيَ عملياً تحت الاحتلال بشكل أو بآخر فمُنع من أن يكون له مطاره ومرفأه ومياهه الاقليمية وحتى شبكة الهاتف تشكل جزءاً من الشبكة الاسرائيلية مثلها مثل الضفة الغربية والمأساوي في الأمر أن سكان القطاع كانوا يتلقون ولا يزالوا التهديدات باخلاء منازلهم من قبل أجهزة الأمن الاسرائيلية. «الإشارة» الكود 970 وهو الرقم الدولي المفترض لاسرائيل والمناطق الفلسطينية. وفيما يتعلق بالكهرباء فإن اسرائيل تمسك بالنسبة الأكبر من التيار الذي يصل الى القطاع. مثلما تتحكم بالمواد الأولية الأخرى على معابرها بما فيها المحروقات التي تشغل شبكة كهرباء غزة.

المقصود من هذا الكلام أن حجة اسرائيل في القول إنها تخوض مواجهة مع كيان آخر هي حجة ساقطة وعلى العكس فإنها تمارس بكل بساطة قمعاً وعدواناً مستمرين على جزء من الأراضي الفلسطينية تواصل إحتلاله منذ عام 1967.

هذه هي الحقيقة في العمق وأي كلام عن تسوية للمجزرة الحالية الدائرة في غزة والتي فاق عدد ضحاياها المئات من القتلى وآلاف من الجرحى والمساكن المدمرة لا يمكن أن تحصل إلا ضمن أفق الحل الشامل للقضية الفلسطينية وعنوانه في هذه المرحلة قيام الدولة المستقلة بسلطتها الوطنية.

إن من البديهيات السعي الى وقف المجزرة ووقف القتل لكن ذلك لن يكون سهلاً كما يبدو فاسرائيل ستسعى لحفظ ماء وجهها الى اتفاق تحت عنوان منع إطلاق الصواريخ والقذائف من دون أن تغيّر في سياستها على الأرض، والفلسطينيون في القطاع الذين قدموا آلاف الضحايا في الحروب المتتالية لا يمكنهم القبول بأي تسوية لا تضمن تغيير الواقع الحالي من جهة فك الحصار ووقف التعاطي مع القطاع كمجرد أراضي محتلة. وذلك سيستدعي مزيداً من الصبر ومع الأسف مزيداً من الضحايا الذين ستتجسد قيمة تضحياتهم في الموقف الفلسطيني الموحد المنشود.