فلسطين اقوى من العدوان وفوق التباينات

د. ناصر زيدان

منذ العام 1948 ومحاولات شطب المعادلة الفلسطينية جارية على قدمٍ وساق، والعدوان على الشعب العربي الفلسطيني لم يتوقف. تارةً يحمل العدوان شعار الدفاع عن النفس، وتارةً أُخرى شعار مقاومة الارهاب، إلاّ ان الهدف الصهيوني يبقى هو هو: طمس القضية الفلسطينية، وتشريد الشعب الفلسطيني، وبسط نفوذ “اسرائيل” على ارض اولى القبلتين، بلاد الاقصى وكنيسة القيامة، وموئِلُ العروبة ورمزيتها في تاريخها القديم والمُعاصر.

العدوان الاسرائيلي على غزة حلقة من سلسلة حروب الابادة، لا تحتاج الى حججٍ ولا لمبررات، فجهوزية آلة القتل دائمةٌ، والضحية هي ذاتها، اطفالٌ ونساءٌ وشيوخ وعُزَّل، يملكون ارادة حرَّة وقوة ايمان، وتشبُّثٌ بالحياة.

قد تحمل مُندرجات العدوان الاسرائيلي الاخير مجموعة من الحيثيات التي ربما تتبين انها اخطاء اتت بالدُب الى كرمه، او انها قدَّمت ذرائع “لإسرائيل” لكي تباشر بعملية القتل المُبرمج، وفي ان بعض عمليات الخطف التي سبقت العدوان كانت اعمال غير مدروسة. لكن هذا وذاك لايُبرر الوحشية التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني، ابتداءً من عملية حرق الفتى محمد خُضير وهو حي، وصولاً الى استخدام احدث الصواريخ والقنابل التي ترميها الطائرات الاسرائيلية على السكان العُزَّل في قطاع غزة، على مرأى ومسمع دول العالم التي تتغنى في احترامها للحريات ومعايير حقوق الانسان.

ولا يمكن ان تكون بعض المواقف الدولية المؤيدة للعدوان نِتاجٌ فوري لبعض الاخطاء – اذا ما حصلت – بل هي مشاعر عداءٍ دفينة، تُنتجها ابواق الدعاية الصهيونية المُدللة عند بعض الاوساط الغربية. لقد شكلت مواقف مجموعة من الدول الكبرى صدمةً واسعة عند الرأي العام العربي، لاسيما عندما ادانت عمليات الرد التي قامت بها المقاومة واصابت مواقع استيطانية بعيدة عن حدود غزة، بل في عمقِ فلسطين، كأنما هناك رغبة دولية ان يبقى سيناريو الصمت والخنوع هو المعادلة الوحيد المسموح بها لمواجهة التوحُّش الاسرائيلي.

وفي مندرجات العدوان ايضاً وايضأ محاولاتٍ حثيثة لإنتاج معادلاتٍ سياسية خبيثة، تُركِّز على إحداثِ شرخٍ بين الفلسطينيين انفسهم، وبين القوى العربية والدولية المؤيدة لنضالهم، والداعمة لدفاعهم المشروع عن النفس. ويبدو ان الحكومة الفلسطينية الجامعة التي شُكِلت مؤخراً نتيجة اتفاق حركة فتح وحركة حماس ازعجت العدو، واجهضت بعض التسويات التي هدفت الى اذلال الفلسطينيين في الزمن الصعب، كون الاولوية عند القوى المحيطة بفلسطين اصبحت في مكانٍ آخر، عنيتُ في الاماكن التي تجري فيها عمليات التقاتل االعربية – العربية، او الاسلامية – الاسلامية، تحديداً في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

ان بعض الاختلاف حول مواقف القيادة المصرية الجديدة الواعدة، لايُبرِر بأي شكلٍ من الاشكال إقامة محاور متقابلة من بين الدول، او القوى المؤيدة للقضية الفلسطينية، ولا يجوز تحت اي اعتبار ان يتحول التباين العربي والاقليمي على بعض الملفات، غطاءً للعدوان، وتستفيد منه ” اسرائيل ” لإستكمال انقضاضها على الشعب الفلسطيني المنكوب.

لقد استفادت آلة القتل الصهيونية من التجاذبات التي برزت على سطح العلاقات بين محور الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، واوحت ” اسرائيل ” للرأي العام انها ضحية لتناحُر بين دول اقليمية كبرى، وهذا بالتأكيد غير صحيح، لأن النوايا العدوانية الاسرائيلية لا تحتاج الى مبررات، بل بالعكس ان النوايا العدواية لقادة الكيان الاسرائيلي تتمدد لتشمل اعاقة مسار التعاون والتنسيق بين الدول العربية والاسلامية، وهي تعمل بكل امكانياتها لخلق الفتن، ولتمزيق الدول العربية، وزع الشقاق بين ابناء الشعب الواحد.

وفقاً لما يؤكده التاريخ، وما تصنعه عوامل الديمُغرافيا، فإن فلسطين هي القضية المركزية، وهي بالتأكيد فوق التباينات، واكبر من عوامل التفرقة والتشرذُم.

لقد أُصيبت فلسطين في الصميم من جراء الفوضى الهدامة التي تعصِفُ ببعض الاقطار العربية، وكان ذلك هديةً الى النوايا العدوانية لإسرائيل، وطبقاً شهياً على مائدة المُجرمين في حكومة نتانياهو.

ليس بمقدور المؤيدين للقضية الفلسطينية اخفاء اخطائهم بذرائع واهية، قد يكون منها سوء التفسير للمبادرة المصرية، او محاولة الانتقام من القيادة الجديدة في القاهرة.

ان فلسطين ستتغلّب على العدوان، ولن يتمكن الصهاينة من طمس قضيتها المًقدسة، والتي تبقى اسمى من كل التفاصيل الخلافية الطارئة، وهي فوق التباينات في وجهات النظر.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان