أيها اللبنانيون.. لبناننا في خطر

فيصل مرعي

في ظل الاحداث، والتطورات الجارية في عالمنا العربي، يرى المراقب ان لا حلول في المدى المنظور، سواء أكان ذلك على المستوى الداخلي، ام على المستوى الإقليمي، بل على المستوى الدولي. وأغلب الظن أن هذه التطورات مرتبطة ببعضها البعض. فإذا ما اردنا تفصيل ذلك، ولو بلمحة عابرة، فإننا نجد ان لا امكانية للبنان مداواة جراحه نفسه بنفسه، جرّاء انعكاسات هذه الفتن والمحن التي تلفّه من كل حدب وصوب. هذه الاحداث المحيطة به جعلته جسداً بلا رأس، وفي حالة دُوار دائم قد يستمر سنين طوالاً. فإذا كانت بعض الدول الاقليمية تريد اخذه رهينة استنـزافاً لمقدّراته، ومن ثمَّ وقوداً لاستكمال مشروعها، فلن تستطيع الى ذلك سبيلاً، لا سيما لجهة تطبيعه، لا من الأقارب، ولا من الأباعد.

صحيح أن لبنان اليوم في حالة غثيان، وفي حيْرة من امره، ولكنّ احداً لن يتمكن من اغلاق شطوطه المشرَّعة لمزدحم الثقافات، وملتقى الحوارات، وبالتالي الى تفكيك هذا النموذج الفريد في هذا الشرق الكبير. فبالعودة الى الشأن الداخلي المرتبط تمام الارتباط بالوضع الاقليمي، وضع يحول دون ادارة لبنان شؤونه نفسه بنفسه، لا سيما منها استحقاقات سياسية بامتياز، وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي، استحقاق ليس بسياسي بامتياز، بل مصيري بامتياز، استحقاق كان ولا يزال للقوى الاقليمية اليد الطولى في اعاقته، بما احدث فراغاً في السلطة السياسية، وبما اعاق عمل مجلس الوزراء والمجلس النيابي تشريعياً وخدماتياً، والمس بالعيش المشترك. في كل الاحوال، حال لبنان هي حال معظم الدول العربية، المصابة بداء الفراغ، والتعطيل، وخرق الدساتير، تارةً تحت عنوان ما يُسمّى بالارهاب، وطوراً تحت عنوان عدم التوافق السياسي..».

فليس عجيباً، ان تستمر سياسة عدم التوافق في لبنان في ظل من يتنكرون للدستور، ولهذه الميثاقية التي نشأ عليها لبنان منذ ولادته، وصولاً الى غلبة فريق على فريق، باعتبار ان التعايش عمره عمر الدهر، وان لبنان للجميع. صحيح ان الفرقة في زمن التمذهب والتعصب تفاقمت في مراحل واوقات معينة، الا ان ذلك لن يدوم طويلاً عبر حقبات طويلة من التاريخ، كما علمتنا غبائر الايام. الا ان ما يُخشى في الوقت الحاضر، ولو الى حين ان تُمحى هذه المسحة الديمقراطية عن لبنان، التي ما فتئت براعمها جنيناً، سيصدّع الارض ليرى النور والحرية والطموح.

وما يُخشى اكثر فأكثر في حال غياب وطمس الروح الديمقراطية في لبنان، هو تعريض كيانية لبنان الى الخطر، في وقت هو الملاذ الاخير للديمقراطية، والاكثر واقعية في العالم العربي، بل هو المصدر للديمقراطية، التي هي اساس استقرار لبنان وثوابته. الا ان رياحاً اقليمية هوجاء ما تزال تهب عليه بين الفينة والفينة، فتخلخل حياتنا السياسية والديمقراطية، بما في ذلك هذا الفراغ الدستوري الذي إن دلّ على شيء فإنما يدل على ان الاستقرار في خطر، وان الجميع دون استثناء يصبحون أسرى ورهائن لوضع اقليمي كان ولا زال في عمق اعماق الازمة اللبنانية. هنا نعود لنؤكد، بأن التعطيل والفراغ يرعاهما راع اقليمي في يده مفتاح التوافق، بغية اكمال السيطرة والغلبة، في وقت يغيب عن ذهن هؤلاء ، وعن شريحة كبرى من الشعب اللبناني ان التوافق يكون باحترام المواثيق، والعقد الاجتماعي، وهذه الشراكة التي بدونها لن يكون لبنان الرسالة والقيم.

إن اي تأخير في سدة الرئاسة، هو بمثابة تسليم البلد من جديد الى قوى اقليمية، تعمل بفارغ الصبر على الاطباق عليه الغاءً لمفهوم الدولة الوطنية المستقلة، وجعله العوبة في يد الآخرين، وورقة لمفاوضات مقبلة حول ملفات اقليمية كبرى، في وقت نعمل بكل ما اوتينا من قوة على تحييده، وعدم رميه وزجه في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. فإذا لم تسارع القوى السياسية الى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن لبنان سيكون عرضة للانهيار والتفتت، وان لا أحد بإمكانه ايقاف هذا التدهور السريع، الا هذا التوافق السياسي الذي اشرنا اليه، الذي ما من شيء ينقذ البلاد سواه. يعني انتخاب رئيس للبلاد تلقائياً دون عناء، وبالتالي قيام انتخابات نيابية على قاعدة قانون انتخابي يحقق التمثيل الصحيح.. والنأي بالنفس عن كل ما يدور لمحاذاة لبنان من فوضى واضطرابات. وهذا ما سيؤدي الى احياء المؤسسات وتفعيلها، والعمل بانتظام وعودة الامور الى طبيعتها.

كل هذا سيشكل مناعة ومتانة بما يحول دون المزيد من التدهور والانهيار. لبنان لن يستمر الا بتوافق كل مكوناته، ولن ينقذه الا شعبه، سيما وأنه قد ثبُت ان الآخرين استخدموه حقل تجارب، وحقل مفاوضات وما زالوا لمفاوضات كبرى لا غير. وها هي غزة اليوم شاهدة على ذلك، تقوية لنفوذ دول اقليمية، واجراء مفاوضات على ملفات لغرض في نفس يعقوب، لا علاقة لنا فيها لا من قريب، ولا من بعيد.

في خضم ما يجري داخلياً وخارجياً، وفي ظل احداث اقليمية لها انعكاساتها على الساحة اللبنانية، بات من الضروري وقف هذا النـزف الداخلي على كل الاصعدة والمستويات، وترتيب ما يمكن ترتيبه قبل فوات الاوان، حرصاً على لبنان الفرادة والنموذج في هذا الشرق الحاضن لهذه المساحة الديمقراطية، والناشر بذورها في اصقاع العرب والعروبة. فتواكلوا، وتعاونوا، أيها اللبنانيون، ولا تأخروا.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…