في مسألة “كوباني” والقدر الكردي

بشار العيسى

تتحدث انباء غير مؤكدة لكن طبيعية، عن انتقال مئات المقاتلين الكرد عبر الحدود التركية لنجدة منطقة ومدينة “كوباني” الكردية السورية، لمواجهة الحصار الداعشي الزاحف بهدف يخدم اكثر من طرف محلي واقليمي.

أصبحت “كوباني” حلقة صراع استراتيجية ومختبر لموازين قوى مستقبلية وعلى نتائج معاركها سيتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في مستويات:

ـ من أنتج “داعش” واميرها البغدادي، واوكل لها منطقة استراتيجية وكأنها حلقة في المشروع التوافقي الأمريكي الايراني؟

ـ حجم تداخل المصالح بين داعش وسلطة الاسد ومصالح اردوغان وأين تقف امريكا والعرب من هذا التداخل الشيطاني؟

ـ ما هو دور ومصالح حكومة إقليم كردستان في الحصارات التي تحاط بالمنطقة الكردية في سوريا؟ غربي كردستان؟ جنوب تركيا؟ وما هو مدى الأمن القومي الكردي ( الكردستاني) لقادة اقليم كردستان العراق؟

ـ ما هي استراتيجية وترابط مصالح حزب الاتحادي الديمقراطي (الكردي) ومنظومة “قنديل” وتوجيهات القائد الاسير “أوجلان” تحديداً في ما يخص كردستان سوريا والحراك في سوريا ؟ كانتون؟ كانتونات؟ منطقة اختبار؟ ملء فراغ استراتيجي لأهداف تكتيكية ام وكالة؟

وبالتالي ما حجم ودور باقي مكونات كردستان (سوريا) الاثنية والدينية من هذه الاستراتيجيات المشبوهة والخاصة بالسلطة وداعش؟

لساعته، من المؤكد ان الدور المشرّف والبطولي الذي يمارسه بطلات وابطال قوات “يي بي غي” القوة القتالية لـ “بي يي دي” الاوجلانية، ورأس حربة حضور “قنديل” في صراع محلي واقليمي قومي ومذهبي وديني في كل المستويات اضافة للإدارة المحلية القائمة بشكل او بآخر لو تطورت مجتمعيا وتشاوريا، يكتسب هذا الدور شرعيته القومية والوطنية والسياسية. ولئن حدثت التباسات عابرة فهي نتيجة هذا التداخل الكبير لأدوار وقوى ومصالح معقدة تتجاوز الكرد والاقليم الى ما هو دولي.

عليه، ليس الغريب قدوم مقاتلين كرد من الطرف الشمالي من كردستان لنجدة اهلهم جنوب الحدود، فطالما انتقلت قوافل أبطال برسم الشهادة من كرد جنوب الخط للدفاع عن قومهم في شماله منذ سنة 1984 الى اليوم.

الغريب هو هذا التأخر في قدوم ليس المئات بل الآلاف من المقاتلين الكرد وليس من كرد تركيا فقط بل ومن ايران ومن العراق ومن لبنان ومن المهاجر الاوربية لمواجهة داعش الأممية لمئات الجنسيات والدول.

فالبندقة الكردية في شمال سوريا جنوب تركيا (كردستان الغربية) اليوم، بندقية قومية كردية بامتياز.

وهي بدورها، بندقية وطنية سورية بامتياز، لو وجد على الطرف الآخر وطني سوري حقيقي عقلاني.

وهي بندقية مكوّنات سورية شريفة، وليست فقط كردية وهو ما حاول حزب الاتحاد الديمقراطي أداؤه بوضوح ضمن الرؤية (الجامدة) لعقيدة نصّية تجاوزها السيد اوجلان نفسه بنضجه وتأخر عنه كل رفاقه وللأسف لا يتم حوار وتحليل في مستوى نضوج رؤية اوجلان لدى اتباعه بديمقراطية وانفتاح عقلي.
الاخطاء المنطقية:

ان بعض الاخطاء او الاجراءات المستعجلة، او الهرولة باتجاه المصطلحات الكليشيهات، بدعوى الوفاء للعقيدة المقروءة بشكل خاطيء وبالسلوك الانفعالي الذي يترجم أحيانا في صيغة ردود افعال قلقة نتيجة الاستفزاز الأحمق من باقي الاحزاب الكردية المهاجرة بقياداتها وكوادرها ، و الحصار الكردي الكردي:

– المواقف الصراعية و غير المسؤولة لما يسمّى “المجلس الوطني الكردي” بأحزابه وافراده و”حاكمية” أموال اقليم كردستان، التي تفتقد كل عقلانية او حساسية قومية ولا حتى براغماتية سياسية، جعلت من تفريغ المناطق الكردية من الشباب الكردي كعب اخيل قومي ووطني بدفع لحزب العمال الكردستاني بمؤسساته وبندقتنا، الى مواقع ضعف في مواجهة الخصم التركي تؤدي ليس الى التضحية بالكرد السوريين في مذبح المصالح الرخيصة بل كمن يجلس بنفسه على حربة البندقية التي تدافع عن مستقبل المنطقة والكرد.

-ان لجوء ال “ي بي غي” الى سياسات وممارسات غير شعبية من نوع المجلس التشريعي او التجنيد الاجباري كمن يقوم بتجفيف منابعه ومصارعة حاضنته الشعبية.

لا بدّ من التراجع عن الخطأ كيفما وجد كفضيلة عقلية وسياسية.

لا بدّ من سياسة أخرى تجعل من انخراط الشباب الكردي في الجسم القتالي “شرفاً قومياً” ومهمة وطنية بقناعة وحميّة بطولية فالطير الذي تأخذه للصيد رغما عنه سيكون عليك ولن يكون لك.

بدل أن تدفع الشباب الى الهرب من البلد وترك اهله وتبعات حمايتهم على كاهل الابطال الواقفين على الثغور ثغور الكرامة على ضخامة حجم المهمة، شاركه في الرأي.
ان سياسة التعويض عن الشعب والمجتمع الحاضن بلون حزبي واحد وخزان ايديولوجي واحد فشلت في “الثورة البلشفية” لمواجهة البيض، قبل مئة سنة. وفشلت فيه الدولة الستالينية لمواجهة النازية قبل سبعين سنة. وفشل فيه الخمير الحمر في كمبوديا بعد كل التضحيات والخسائر، حتى “حماس” غزة وأمام الغزو الاسرائيلي لا تلجأ الى هذا ولم تلجأ اليه ال”بي كا كا” رغم شدة الصراع مع “الميت” واجتياحات الجيوش التركية ولم يلجأ اليه البرزانيون في يوم من الايام.

نأمل أن لا يتحول “التجنيد الاجباري” في كردستان سوريا الى تفريغ لكردستان سوريا من عنصر الشباب كإطلاق رصاصة الرحمة على الذات، بعدما فرغته احزاب الهرب من كوادرها.

هذا النقد لا يعفي الاحزاب الكردية والمثقفين الكرد في كل مكان، كل مكان وخاصة في المهاجر الاوربية والكردستانية ان محاولات عزلها للبندقية الكردية بتسفيه الحزب الذي يحملها، البندقية التي تقف خلفها ارواح بناتنا وشقيقاتنا باعتبارها خصما حزبيا هي أكبر حماقة تاريخية قد تصل الى مستوى الخيانية القومية.

على الرئيس “مسعود البرزاني” تحديداً، اعلان وتوضيح موقفه ودعمه الفعلي لهذه البندقية، وملاقاة رسائل القائد الاسير اوجلان الى فكّ حصارات المدن الكردية.