اقليموس: عندما تتعطل لغة العقل

محمود الاحمدية

جاء في سورة الحج 46: ” أفَلَمْ يسيروا في الأرضِ فَتَكونَ لَهُمْ قلوبٌ يَعْقِلونَ بها أو آذانٌ يسمعونَ بِها، فإنَّها لا تعْمى الأبصارُ ولكن تعمْى القلوب التي في الصدور”.

من عادتي كل صباح أحد أن أتابع برنامج “المجالس بالأمانات” للإعلامية وردة وهذا الأحد كان هناك مداخلة هاتفية للصحافي اميل خوري وكان واضحاً فيها بطروحاته وبالمطلوب من مختلف القوى السياسية عمله وباقتراحات خلاّقة ومنها أن يسمي كلّ من فريقَيْ 8 و 14 مجموعة شخصيات تليق برئاسة الجمهورية ومعروفة بعدم ولائها لأحد وينزل الجميع إلى المجلس النيابي ومبروك للذي يأتي رئيساً نتيجة التصويت وسمّى بعض الاسماء التي لا يختلف عليها اثنان من اللبنانيين… وجاء دور الضيف النقيب السابق للمحامين انطوان اقليموس… ومن خلاله صُدِمْت مرتين… الأولى عندما سألته ورده عن رأيه باقتراحات العماد ميشال عون الأخيرة فكان رده واضحاً وبدون تردّد: ممتازة وياريت طَرَحَها في مؤتمر الدوحة لأنه كان مؤتمراً دستورياً بامتياز!

وتابع: أنا أؤيّد مسألة كل طائفة تنتخب نوّابها!! أي المشروع المسمّى ظلماً الارثوذكسي: وهنا الحقيقة التي لا تحتمل التفسير ان هذا القانون سقط عند عرضه لأنه وباعتراف الجميع قانون قَبَلي بَرْبَري لا يمتّ إلى الألفية الثالثة بصلة وتقسيمي بامتياز ممّا يجعلنا شِيَعاً ومذاهباً وعائلات وافخاذاً!! ويناقض الكلمة الأولى من الدستور التي تعرّف عن النائب أنه نائب الأمة!! وليس نائب المذهب أو نائب الطائفة وكما أنه بداية لعملية منهجية لتهجير المسيحيين من مناطقهم الذين يصبحون فيها شبه أغراب طالما انتخبوا نائباً من طائفتهم فأين صلة الوصل والمواطنية والتواصل ومعناها بوضوح حقيقي: أنا محمود الأحمديه ممنوع عليّ أنْ انتخب نائباً في منطقتي وأرى فيه سمات النائب وذلك إذا كان من غير ديني!! بالله عليكم هل عِدْنا إلى جاهلية جديدة ؟؟ والشيء المؤثر اللافت أن الإعلامية وردة سكتت وكانت شبه مبتهجة باللغة الفصحى المنمّقة بورق السيلوفان التي يتقنها اقليموس كمحامي …

والصدمة الثانية أتت عندما سألته ما رأيك بطروحات وليد جنبلاط ومواقفه فكان اقليموس أكثر فظاظة وجارَتْهُ أختنا ورده وكأن الكلام نزل برداً وسلاماً فقال حرفياً: وليد جنبلاط دائماً محوره طائفته وحمايتها بشتى الطرق ويأتي الوطن ثانياً!! (كذا) وأردفت ورده: ليش ما بيسحب هنري الحلو لتسهيل مهمة انتخاب الرئيس؟؟ فقال اقليموس لا فضّ فوه: وليد جنبلاط بيحب يلعب دور الغْرام (وزناً) حتى يطبش الميزان !! والله عيب أن يقول اقليموس أنه يحمل أفكار ريمون اده ككتلوي وريمون اده براء منه وهو في قبره!! لم أسمع منه طيلة مقابلته كلمة واحدة تتكلّم عن لحمة الوطن ولم يضَعْ ولو بحصة “واحدة” في الحائط الوسَطي المنيع حائط اللّحمة والوحدة الوطنية الذي عمل عليه وليد جنبلاط منذ أكثر من ست سنوات!! وللأمانة شدّد المحامي اقليموس على مقالة محمد السمّاك عن القانون الماليزي الظالم بحق المسيحيّين!

واسمح لي أخي انطوان أن أقول لك أن وزن وليد جنبلاط هو تاريخ وطنك الذي تسكن فيه وراجع التاريخ وستتبيّن هذه الحقيقة وليس لكلمة (غرام) مكان في قاموس مَنْ حَمى الثغور تاريخياً وكوّن البلد وجعل له كياناً مستقلاً عِبْرَ التاريخ ولن أغوص في التفاصيل وبالتواريخ التي تجعل الذين ينطقون بها ويتحفظون قليلاً… فمن المؤسف القفز على كل الحالة الوسطية التي شكلها وليد جنبلاط ومن خلالها استطاع حماية لبنان ولو جزئيا من عواصف المنطقة وحبل التواصل لغة يومية والحوار لغة يومية وكان العراب الأساسي في إعادة اللحمة إلى الوطن ومن مصائب الطائفية والمذاهب وبشكل يومي كان يتابع مختلف التعقيدات ولم ينقطع يوماً عن التواصل مع مختلف الفرقاء في الوطن والأمثلة لا تحصى… اعتدال، عقلانية، رزانة، رؤيا شاملة وكانت مقابلته الأخيرة في برنامج “بلا حدود” تختصر منطق رجل الدولة الرؤيوي بالخلفية التراكمية للتجارب الوقائية…

لن استطرد كثيراً ولكن من المؤسف أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه ونجد أحد المفروض فيهم أن يكون عقلاً وازناً كنقيب سابق للمحامين والمفروض أن يكون صلة وصل وهدوء وعنصر محبة، فإذا به يعود بنا إلى القانون الارثوذكسي ومهاجمة وليد جنبلاط بطريقة مبطنة والعتب على صاحبة البرنامج أن ترتقي بحكم خبرتها فوق الصغائر والغايات لقد تعوّدنا على الاعلامي أن يقف حاجزاً منيعاً أمام فكرة متطرفة يرى أنها تسيء للواقع ومن الغريب الاسترسال مع منطق معكوس وغير واقعي ينطق به مطلق أي ضيف سياسي كان أو غير سياسي! مثل اسباني جميل “شعاع الشمس لا يُخفى ونور الحق لا يُطفأ ” كلمات أحببت أن أقولها بصدق وبدون رتوش من مواطن يعشق وطنه حتى الثمالة… والله ولي القصد…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة