السادس والسابعون: مسيرة حافلة للبطريرك صفير

“السادس والسبعون” هو عنوان المؤلف الثلاثي الأجزاء الذي اصدره الإعلامي انطوان سعد عن دار سائر المشرق وهو يلخص مسيرة البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير وصولاً حتى العام 2005. وهو يعكف حالياً على صياغة الجزء الرابع الذي يغطي الحقبة الأخيرة منذ العام 2005 لغاية استقالته من الكرسي البطريركي في 15 آذار 2011، مع الاشارة إلى أن البطريرك كان إنتخب في أوج الحرب الاهلية وتحديداً في 19 نيسان 1986، ثم عين كاردينالاً في 26 تشرين الثاني 1994. إنه البطريرك السادس والسبعون وجلس على كرسي بكركي ما يزيد عن 25 عاما متوجاً مسيرة كهنوتية بدأت منذ دخوله اللاهوت في العام 1950.

تأخذ مذكرات البطريرك صفير القارىء الى حقبات عديدة من تاريخ لبنان المعاصر وارتباط احداثه بالمحيط الاقليمي. استطاع أثناء مرحلة الحرب القاسية وخلال حقبة الانقسام العميق بين اللبنانيين ان يرفع لغة الاعتدال والحوار والمصالحة، جامعاً بين تربيته اللاهوتية والفلسفية وموقعه الكنسي وبين متطلبات العمل الوطني الذي خاض غماره معبراً عن رأي الناس وتطلعاتهم.

صحيح ان جانباً من هذه المذكرات يعتمد الاسلوب السردي مذكرا بالأحداث وفق تسلسلها الزمني، الا أن ذلك لا يلغي كيف ان البطريرك يكشف في هذه المذكرات عن مكنوناته الداخلية ورؤاه حول القضايا المختلفة.

ان مطالعة هذه المذكرات انما تعكس صورة ذاك البطريرك الصلب الذي تمسك بثوابت وطنية وسياسية وما انفك يكررها حتى تحقيقها معتمدا اساليب متنوعة من القسوة والصرامة في التعبير الى السلاسة والليونة تبعاً للظرف السياسي والتطورات الداخلية والاقليمية. وذلك يعكس القدرة التعبيرية العالية التي يتمتع بها البطريرك صفير وهو المعروف عنه انه يعبر بكلمات قليلة عن مرتكزات ومواقف عميقة.

في مجال آخر، لا شك ان تأريخ مسيرة شخصية بهذا المستوى هي مسألة في غاية الصعوبة، وقد اجتهد الاعلامي أنطوان سعد مع فريق من معاونيه في مقاربة هذه السيرة وتقديمها للقارىء بطريقة أدبية رفيعة، استلزم اعدادها اجراء المئات من المقابلات والعودة الى ارشيف الصحف والمجلات لحقبة طويلة تخللها الكثير من الاحداث السياسية والامنية الخطيرة، بالاضافة طبعا الى مفكرة البطريرك التي دوّن فيها ملاحظاته الخاصة والشخصية حول تلك الاحداث وحول الشخصيات التي كانت تقصده او يجتمع بها في لبنان والخارج.

سواءً اتفق المرء مع البطريرك صفير ام اختلف معه، فانه لا شك موضع تقدير واحترام جميع اللبنانيين، ومذكراته جديرة بالقراءة والتمعن.