المونديال يكشف اهتراء العقل والضمير في لبنان

محمود الاحمدية

“السهم يغرز بالجسد، لكن الإهانة تخترق الروح ” (غراتيان)

إنها إهانة شعب بأكمله … قصة بث المونديال المباشر… توقيت المونديال بكلّ تفاصيله وتواريخه لم يكن يشكل مفاجأة” لأحد ومعروف وواضح… واقترب موعد المونديال وبشّرت محطة تلفزيون لبنان الرسمي بأنّ موضوع البث المباشر أخذ من وقتها ستة شهور لوضع كل التجهيزات التقنية الضرورية للبث في مختلف المناطق اللبنانية… وأنها تنتظر الضوء الأخضر من المسؤولين المعنييّن بالموضوع حتى تبدأ بالبث وخلال نصف ساعة من تاريخ إعطاء الإشارة بامكانية البثّ وفي نفس الوقت وعلى مختلف المحطات الإذاعية ومنذ أكثر من شهر بدأ اللبنانيون يسمعون دعاية لبث المونديال بوكالة حصرية لشركة لبنانية ولكن الدعاية جرى تسويقها بطريقة استفزازية: بدّك تتفرجْ عالمونديال؟ أي بدّك تشتري كرت !! اتصل بالهاتف الفلاني الشركة الفلانية!! وفي نفس الوقت علم الجميع بأن ثمن الكرت من هذه الشركة ماية دولار أميركي ومع  ال TVA يصبح 110 دولار أميركي وبعض أجهزة الاستلام لا تصلح للبث فعندها تصبح مجبراً ان  تشتري  Receiver بمبلغ يصل إلى 400 دولار أميركي!! أي أن مطلق أي لبناني يريد رؤية ومشاهدة المونديال عليه أن يسحب من جيبه حوالي ال 500 دولار أميركي… وفي نفس الوقت وعلى خطّ موازٍ الدعاية التي تعملقت واكتسحت البلد أن البث سيكون مجانياً من خلال محطة التلفزيون اللبناني الرسمي وتكلفة البث حوالي خمسة ملايين دولار أميركي تدفعها الدولة اللبنانية لقطر أو للشركة الحصرية… للمرة الأولى وبالبعد الرياضي والإنساني يجري تذليل ممنهج لشعب كما جرى مع الشعب اللبناني… مطلق أي لبناني خيّروه فحيّروه… كلّ لبناني منّى النفس بمجانية البث على المحطة الرسمية الأرضية حتى اللحظة الأخيرة قبل بدء البث… وفي الأسبوع الأخير بلغ السيل الزبى كما يقول المثل العربي القديم فطلعوا علينا بقصة مجانية البث اتجاه الشعب اللبناني تسبقها مجانية البث للحكومة اللبنانية من دولة قطر!! التكلفة 5 مليون دولار!! وقيل ان هناك وعد سابق لفخامة الرئيس سليمان بمجانية البث وذلك بناء على مبادرة من قطر والرئيس يملك من عزة النفس والعنفوان أكبر بما لا يقاس من هذا الموضوع، ثمّ رأينا وزير الداخلية وفي زيارته لقطر يأتي وفي مؤتمر صحافي على سيرة مجانية البث في تلفزيون لبنان بدعم مجاني قطري… وتطورت الأمور في اليومين الأخيرين إلى التأكيد وحتى قبل البثّ بساعتين بأن هاتفاً جاء من أمير قطر إلى وزير الداخلية ببشارة المكرمة القطرية… وانتظر الناس حتى اللحظة الاخيرة بلا طائل ولا نتيجة… واختلط الحابل بالنابل فالكلام عن البث المباشر المجاني سمعه اللبنانيون بطرق مختلفة ومتناقضة ولا تملك خيطا” واحدا” مشتركاً من الحقيقة والانسجام ووقعت الفأس في الرأس: الخبر الصاعق لا بث مجاني مباشر… إدفع تشاهد !! هي وقاحة العصر الحديث أكثر! هي انحدار اخلاقيات الحكم! بل أبعد! هي قعر القعر في اللامسؤولية!! بل أعمق! هي استغباء شعب بأكمله! بل أخطر! هي إذلال بالبعدين الرسمي والشعبي! بل أشمل! هي انحسار مساحات النور والحكمة والرزانة والشجاعة والوقار والعزة والكرامة لصالح مساحات كل ما خلقه الله من معاصٍ! بل أكثر أيضاً وأيضاً!

يا جماعة الخير…! 5 مليون دولار تساوي قيمة خدمة الدين ليوم واحد! فلتكن السنة 366 يوماً بدل من 365 يوماً! فليمد أحدكم يده إلى محفظته إلى مصرفه ويستغني عن خمسة ملايين دولار أميركي ويقدمهم هدية لشعبه تكفيراً عن ضمير مات منذ زمن! يا عيب الشوم الاذاعات تحدثت عن مكرمة من الأمير القطري؟ هل شعبنا اختصرتموه بعاهرة تبيع جسدها على قارعة الطريق… تعودنا على الشحاذة وكأننا البلد كله شعباً وحكومة اختصره طفل ذليل يقترب من السيارات بذل وانكسار طالبا” الحسنة بذل وانكسار! هل تعودنا على (شكراً قطر)… (شكراً ايران)… (شكراً أميركا)… (شكراً فرنسا)… والله لو راجعتم تاريخ وطنكم وإنسانكم المقيم والمهاجر لخجلتم من هذا التاريخ العظيم ولخجل التاريخ منكم! ياجماعة نحن الذين كنا بين خمسة دول وضعت شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على مستوى الكون وتدمّرون هذه الحقوق وبأبخس الأسعار وعلى قارعة الأمم؟؟ لبناننا يا سادة غير لبنانكم… وهذا كلام ليس للتعتيم والتمويه! كنا نتمنى أن نسمع صوتاً واحداً جريئاً مجلجلاً يقول للدنيا كلها: كفى! كفى!

ان عظام الجدود ترقص في قبورها حزناً وقهراً لوطن كان في يوم من الأيام واحة الشرق ومرتع الحرية في الشرق! فأصبحنا باختصار شديد نفايات الشرق بالتعبير البيئي لأن جزءا” من هذه النفايات ممكن تدويره وإعادة استعماله كذلك أنتم ! عودوا إلى رشدكم إلى ضمائركم إلى عقولكم وارتفعوا عن وسخ الملايين فكله زائل والباقي كرامة شعب دستموها بلا رحمة ولا شفقة!

الأفق البعيد يقترب! هو أفق النار!

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة