مصر الجديدة والتحديات

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

اجتازت مصر الامتحان الكبير في إطار خارطة الطريق، جرت الانتخابات الرئاسية، فاز عبد الفتاح السيسي وبات الرئيس «الشرعي» و«الشعبي» – إلى حدود بعيدة – في مصر، التي تستعد للانتقال إلى مرحلة جديدة تبدأ بتشكيل حكومة جديدة، تذهب إلى إجراء الانتخابات التشريعية على أساس القانون الجديد الذي أصدر مرسومه الرئيس السابق المؤقت المستشار عدلي منصور قبل انتهاء ولايته. كنت في القاهرة لمدة أسبوع، تابعت الحدث، إعلان نتائج، ثم تنصيب الرئيس الجديد، وتوقفت عند آراء الناس في مواقع مختلفة، وتوقعاتهم وقراءتهم للمرحلة المقبلة، لا شك في أن ثمة نقلة نوعية قد تحققت في البلاد، وفي الشكل تمت عملية التسلّم والتسليم بطريقة حضارية فيها من الدقة والهيبة ما يوحي بتقصّد إرسال أكثر من رسالة من قبل الرئيس الجديد، لكن هيبة المشهد لا تلغي تهيّب الموقف، وهذا أمر مهم.

كلمة نائب رئيس المحكمة الدستورية كانت معبّرة جداً لناحية الولاء الوطني لمصر، وحبّها ودورها وموقفها ومسؤولية أبنائها ودور الرئيس الجديد المؤتمن على كل ذلك، إضافة إلى ما ذكره عن رئيس المحكمة الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور الذي أدار الرئاسة لمدة عام بطريقة أخلاقية وبأمانة.

ومن أولى الملاحظات التي تسجّل ما سُمي بوثيقة التسلّم والتسليم وهي تقليد جديد يعتمد بين الرئيس الجديد والرئيس القديم. في ذلك تأكيد على الانتخابات ونتيجتها، وتأكيد بدء مسار جديد يأتي من خلاله الرؤساء إلى الحكم على قاعدة الانتخابات وتداول السلطة، وهذا أمر مهم إذا تم الالتزام به لاحقاً. كذلك فإن الرئيس «السابق» هو الرئيس الوحيد الذي يعود إلى ممارسة مهامه السابقة كرئيس للمحكمة الدستورية.

عدلي منصور قاض كبير، أدار الرئاسة بكل صلاحياتها، وعاش مرحلة صعبة كان فيها الرمز الأبرز في مصر، يعود اليوم بعد أن قلّده الرئيس السيسي القلادة الأرفع في البلاد إلى دوره السابق ومسؤوليته في رئاسة المحكمة الدستورية وهذا أيضاً يحمل دلالات إيجابية مهمة.

الملاحظة الثالثة المهمة هي الكلمة التي ختم فيها الرئيس منصور رسالة التهنئة التي وجهها إلى الرئيس الجديد فقال: «أقول له أحسن اختيار معاونيك. فهم سَندك ومعينوك على ما سيواجهك من مشكلات داخلية صعبة ووضع إقليمي مضطرب لا يعرف سوى لغة القوة والمصالح، وتقتضي الأمانة أن أحذّر من جماعات المصالح التي تود أن تستغل المناخ السياسي الجديد لطمس الحقائق وغسل السمعة وخلق عالم من الاستفادة الجشعة، يمكن هذه الفئات من استعادة أيام مضت يود الشعب المصري ألا تعود أبداً».

توقفت عند هذا الكلام لأن فيه شجاعة وحرصاً وأمانة، ولأن كل المحبين والمتطلعين إلى نهضة مصرية جديدة ينتظرون ماذا سيفعل الرئيس. يقولون :« راحت السكرة وجاءت الفكرة » «العبرة في التنفيذ». المسؤوليات كبيرة، والمهم فريق العمل الذي سيختاره الرئيس. الرهانات كبيرة، والآمال كبيرة، ولا نريدها أن تخيب. من هنا أهمية كلام الرئيس منصور ونصيحته للرئيس الجديد، كي لا يأتي من هم ليسوا أصحاب خبرة أو ذمة ومن يريدون تسلّق المواقع بتملّق المواقف!

هذه أولى المسؤوليات، والإشارة إلى الخوف من عدم قول الحقائق مهمة تقع في زمانها ومكانها الصحيحين. فالمستشارون والمساعدون والمسؤولون إلى جانب القادة والرموز ينبغي أن يتمتعوا بشجاعة قول الحقيقة والابتعاد عن ممارسة التملق والإنكار للحقائق.

بعد ذلك، جاءت كلمة الرئيس الجديد الاستيعابية التي أشار فيها إلى النية في عدم إقصاء أحد دون أن يعني ذلك عدم محاسبة المسؤولين عن هزّ الأمن والاستقرار في البلاد. وثمة شعرة بين الأمرين ينبغي معرفة المحافظة عليها، وبالتالي عدم الانزلاق إلى سياسات أمنية مفتوحة في البلاد. ثمة من يتربص شراً بمصر في هذه اللحظة تحت عناوين الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وهي عناوين ينبغي أن نحترمها ليس لأن ثمة من يراقبنا أو يدفعنا رغماً عنا إلى ذلك، لا. هذه حقوق طبيعية للناس، وواجب علينا احترامها، وهكذا يبدأ العهد الجديد الاستيعابي للأمور انطلاقاً من العزم والحزم والهيبة والتهيّب في آن.

ثمة قلق اقتصادي كبير، توازيه فرصة استثنائية بالدعم الذي تقدمه دول عربية قادرة على رأسها المملكة العربية السعودية، التي أطلق قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة بالدعوة إلى مؤتمر للمانحين لرعاية وحماية اقتصاد مصر وأمنها واستقرارها على كل المستويات. وبلغ موقفه حداً من «الحزم» الذي يمكن أن يمارس ضد القادرين على المساعدة والمنكفئين عنها! لذلك ينبغي أن تكون سياسات واضحة الآفاق مبرمجة المراحل لمعالجة المشكلة في مصر التي تتطلب وقتاً طويلاً، لكن الإرادة الواعية والإدارة المتماسكة كفيلتان بالسير على الطريق الصحيح والوصول إلى النتائج والأهداف المرجوة في ظل توفير الإمكانات المطلوبة. تلك هي المسؤولية الكبرى على القيادة الجديدة التي أطلقت مواقف حول موقعي مصر العربي والأفريقي وحول مسؤوليتها في النظر إلى أمن الخليج. هي أهداف كبيرة، نتطلع إليها لأننا نريد عودة مصر إلى دورها الريادي الإقليمي العربي الإسلامي الأفريقي، وهي سند مهم وتستحق في هذه المرحلة الدعم الكبير. ولا شك في أن ثمة من لا يريد ذلك.

فالتحديـــــات كثيرة وتمتد من «سدّ النهضة»، الذي يهدّد مياه النيل وأمن مصر المائي والغذائي، إلى سيناء وما فيها وحولها، وفلسطين، والاستهدافات الإسرائيلية، والتسابق على الدور في الخليج، وما يهدد أمنه وموقع مصر في ذلك خصوصاً في ظل الخلاف الخليجي – الايراني عموماً، والموقف التركي السلبي وفي ظل موقف غربي لا يزال غير مطمئن على الأقل، ومع التحديات الداخلية لناحية إصرار قوى معينة على هزّ الاستقرار وزعزعة الوضع بهدف هزّ «الشرعية الجديدة ودورها وموقفها».

مصر دخلت مرحلة جديدة. التوقعات والقراءات لا تحتمل الأوهام والمبالغات والمكابرات، المهم الانطلاقة الثابتة الواعية المدركة والاحتضان العقلاني .