خرزة زرقاء مساحتها 10452 كلم2

محمود الاحمدية

“إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يدُ الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومَن أوفى بما عاهد عليه الله فسيُؤْتيه أجراً عظيماً ” (الفتح 10)

جاءني صوت من بعيد وعبر الهاتف، من نيس المدينة الفرنسية العاشقة للجمال والبحر والشمس والأناقة حيث عشت خمس سنوات من أجمل سنوات العمر، صديق فرنسي قال لي حرفياً: نتابع بقلق كبير مايجري في لبنان… حدود سائبة، شغور في الرئاسة، شعب يزداد عدده أربعون بالمئة خلال سنتين كأن فرنسا بال 60 مليون نسمة تستقبل 27 مليون اسباني أو افريقي أو برتغالي، خوفنا كبير على لبنان!! وتركته يتكلم بألم وبحرقة، فرنسي يحب لبنان كما يحب وطنه فرنسا، وانتهى الحديث الذي أثار مئات الأسئلة في مخيلتي… هي الحقيقة المرّة والواقع الأمَرّ… اتخيل كلمته أثناء حديثه: ألين لحود عندما غنت منذ أشهر سلبت عقل الاوروبيين كافة… أمين معلوف الذي لمع كالبرق اسمه في سماء فرنسا… الخمسون الف لبناني في كل فرنسا ومعهم آلاف قصص النجاح في كل الحقول وفي كل الميادين… كان الحديث ينهمر كالشلال لا ينتهي بقصة نجاح إلا ويبدأ بقصة ثانية… هي حكاية اللبناني المتفوق في بلاد الله الواسعة والمشلول في وطنه… 188 دولة في منظمة الأمم المتحدة، الدولة الوحيدة التي تمتلك هذا الكمّ من المصائب والأحداث والفشل الإداري والإفلاس الداخلي التنظيمي، وهذا التناقض الغير معقول والغير منطقي مع واقع أبنائها في الخارج، هي دولة لبنان…

شعب بل شعوب في قلب هذا الوطن تنهش جسده وتدميه ليلاً نهاراً من مسؤولين جزء كبير منهم مرتزقة باعوا كراماتهم على قارعة الأمم، وشعب يثرثر ويحكي ويرغي ويعارض ويُعْلي صوته وفي نهاية المطاف يعيد بنفسه المسؤولين أنفسهم بطريقة غنمية لا يصدقها عقل ولا منطق … وإذا ارتقى أحدهم وكان يملك روح وقامة رجل الدولة تألبت عليه كل المكائد والأفخاخ لإسقاطه في المهد وأكبر عاهة يصاب بها أحدهم في وطني هي أن يكون آدمياً أي “درويشاً ” ان لم نقل كلمة أقسى وأمرّ… لم يمرّ بلد على وجه هذا الكوكب وكان رهينة مجموعة وشخص يقول لك: أنا أو لا أحد!! والمؤسف والمبكي والمضحك في نفس الوقت ان الذين يمشون وراء هذا الشخص لا يمتلك أحدهم الشجاعة أن يسأله إلى أي وادٍ سحيق ترسلنا بعنادك القريب إلى الولدنة أكثر من شخصية رجل الدولة!! في يوم من الأيام كان هناك شخصية تاريخية أسمها كمال جنبلاط قاد أشرف حركة في الشرق الحركة الوطنية وأثناء ثورة 1958 وفي مهرجان كبير أخطأ أحدهم وقال كلمة نابية بحق الرئيس كميل شمعون فطرده من المهرجان قائلا” له أن لا أنافس إلا الذين يمتلكون صفات الرجال الرجال والذين يمتلكون رأياً مغايراً ومقومات تجعلهم في مصاف الأخصام ولا أسمح لك بكلمة نابية لأن هذه الكلمة تطالني قبل أن تطاله؟! في هذه الأيام المريرة بربكم من الذي يستطيع تكملة برنامج سياسي حتى آخره، مجموعة من البابازات في كامل لياقتهم وأناقتهم لا يمتلكون الجرأة على استضافة من يريدون وماتريده الحالة السياسية أو الاجتماعية أو البيئية، فترى توك شو سياسي هو أقرب إلى سهرة ثرثرة مملة فارغة ويقولون لك أن اسم هذا البرنامج يحمل كلمة الناس والصراحة وما إلى ذلك … ومتى فسد هؤلاء فعلى الدنيا السلام !!

ان بلداً ينتظر الإشارات من الخارج ليس ببلد… ان بلداً لا يستطيع مسؤولوه اتخاذ موقف بدون إشارة خارجية ليس ببلد… كفانا انبطاحاً، كفانا حقداً، كفانا مذهبية، كفانا فساداً، كفانا عهراً، كفانا لا مسؤولية…

على إحدى الإذاعات سمعت خبراً: ان صورة الرئيس السابق ميشال سليمان قد نزعوها من الغرفة الكبرى لإستقبال الضيوف الكبار في المطار وبقي الحائط فارغاً والخوف كل الخوف أن يتعملق هذا الفراغ فيملأ البلد كله… وينخلط الحابل بالنابل وتضيع المعالم وينقلب الفراغ إلى غول بشري يأكل الأخضر واليابس، يأكل المؤسسات والأفراد، منذ سنتين وحتى تاريخ تَرْك الرئيس سليمان الكرسي، شَعَرَ كثير من اللبنانيين وفي هذا الليل المدلهمّ الذي تكلمنا عنه، ببصيص نور في آخر النفق، رأينا مسؤولا” وفي أعلى مركز في السلطة يذكرهم بسيادتهم وبكرامتهم وببلدهم … هو الرئيس السابق ميشال سليمان…

وبما ان الشيء بالشيء يذكر وليس من باب “الغرق في شبر مي “أو” الخفة “أو” النفخة الكاذبة” ولكن منذ أربعة أيام جاءني تلفون من فخامة الرئيس يهنئني فيه على مقالة كتبتها عنه بعنوان “الرئيس سليمان ترك القصر كبيراً” … لا أنكر بأن سعادتي كانت كبيرة ولا أنكر أنه من النادر أن نرى مسؤولاً من هؤلاء المنفوخين يمسك بالهاتف ويسأل عنك ولكن شعارهم “ومن بعدي الطوفان”…

أخيراً أعود إلى صديقي الفرنسي الذي أنهى مكالمته بسؤال مفاجىء: ماهي أمنيتك يا أحمديه: أجبته بعد أن فكرت بديمغرافية لبنان وبدون تردد: أتمنى له خرزة زرقاء مساحتها بمساحة الوطن 10452 كلم2 !!

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة