الرئيس سليمان: ترك القصر كبيراً

محمود الاحمدية

“إن السياسة مسلك شريف لأن لها علاقة بقيادة الرجال وتوجيههم” (كمال جنبلاط)

عودة إلى ذلك اليوم التاريخي 14 آذار حيث كان الرئيس سليمان قائداً للجيش وبدل أن يصطدم الجيش بالجماهير كان الضوء الأخضر بفتح الحصار المفروض على ساحة الحريّة وتدفقت مئات الألوف إلى الساحة وكانت حملة توزيع الورود على أفراد الجيش اللبناني… موقف تاريخي لن ينساه كلّ من شارك في ذلك اليوم الخالد في ذاكرة الشعب اللبناني… وعند وصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية وعلى مدى الأربع سنوات الأولى حاول الرئيس سليمان أن يلعب دور إدارة الأزمة بطريقة رزينة ثابتة تملك الرؤيا وعدم توريط البلد في مستنقع مرعب حيث الشرخ كبير وعامودي بين 8 و 14 آذار وحاول بوسطيته أن يلعب الدور المهدّىء عند المفاصل الصعبة وحاول المستحيل حتى تبقى الأمور متزنة ومعقولة في العلاقة مع سوريا، وكلنا يتذكر أنه وعلى مدى الأربع سنوات الأولى اتخذ مواقفاً لم يراع فيها أحد بل راعى شعوره الوطني وضميره الوطني… وكم من مفصل من مفاصل حكمه رأى نفسه في مواجهة 8 آذار وفي ظروف أخرى في مواجهة 14 آذار… وكان لوليد جنبلاط في تلك المرحلة دوره المحوري الطليعي لتقوية جبهة الوسط ومحاولة إعادة اللحمة بين هذين الاتجاهين المتناقضين في كل المسائل الإستراتيجية، والمساحات المشتركة بينهما كانت شبه معدومة… حتى بدأت الثورة في سوريا وكان تدخل حزب الله وبدأ الحس السيادي يلعب دوره في توجه الرئيس سليمان وبدأت مواقفه السيادية تتبلور أكثر فأكثر حتى كانت تلك الوقفة التاريخية عندما شبه الثلاثية المشهورة جيش شعب مقاومة بالخشبية وإبدالها بجيش شعب أرض وتوّجه بالقول مافائدة التحرير إذا لم يرفق بقوة الدولة والحكم وتوحيد القوى دفاعاً عن الوطن ضمن خطة عسكرية إستراتيجية وكان يذكّر دائماً بإتفاقية بعبدا حيث كان الكل حاضرين بإستثناء القوات اللبنانية يومها، ولكن التجاوب من قبل 8 آذار انعدم مع هذه الرغبة… وسيذكر التاريخ أنه في يوم من الأيام حكم رئيس شجاع متزن صاحب قرار وخاصة في السنتين الأخيرتين حيث أصبح للحكم قرار ووزن وقيمة واستطاع فرض احترام الوضع الرئاسي على دول العالم أجمع بالرغم من مشاركة حزب الله في سوريا فكان غاية في الحكمة في المحافظة على الحد الأدنى من صيرورة الوطن وهيبة الحكم… وسيذكر التاريخ موقفه الديمقراطي بإمتياز وبعناد اسطوري غريب عندما قال: ليلة 25 آيار 2014 سأكون في قمة فرحي وسعادتي عندما أعود إلى منزلي تاركاً القصر ولن أمكث دقيقة واحدة بعد تلك الليلة في القصر… هو نموذج ناجح فرضه على من سيأتي من بعده… وخلق سقفاً من الكرامة والعزة الوطنية ذكّرنا بالرئيس الراحل فؤاد شهاب وكشف بهذا الموقف حقبات الرؤساء الآخرين وخاصة الذين حاولوا التمديد أو التجديد لأنه يعرف ويعلم ويؤمن بأن قمة الديمقراطية هي انتهاء مدة الحكم الرئاسي حسب الدستور وتسليمه لرئيس جديد… وأن هذه الديمقراطية تكمن في الابتعاد عن صنمية الجلوس عشرات السنين على كرسي الحكم كما في الأنظمة الشمولية.

فخامة الرئيس خطاب الوداع الذي ألقيته يُعدّ بكل المقاييس معياراً وسقفاً لكل رئيس سيأتي من بعدك عاجلاً أم آجلاً لأن المفاصل السياسية الخاصة بمهمات رئيس الجمهورية التي ذكرتها في خطابك كانت نتيجة تجربة عانيتها وعشتها على أرض الواقع .

فخامة الرئيس سليمان … الأرز يشمخ زهواً وكرامة” وعنفواناً وعزة” .

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة