جنبلاط،سليمان،الراعي… موعد مع التاريخ

محمود الاحمدية

 جاء في سورة (النساء:58) (إن الله يأمُرُكم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعمّاً يعظكم به، إن الله كان سميعاً بصيراً.

بالأمس القريب 17 /5/ 2014 كان الوطن كله على موعد يشكّل مفصلاً تاريخياً في حياة الوطن، جمع وليد جنبلاط وفخامة الرئيس ميشال سليمان ونيافة االبطريرك بشاره الراعي وجمعاً غفيراً من كل أنحاء لبنان وخاصة أهل بريح الكرام … ومن المحطات النادرة التي يشعر فيها المرء بصدق المشاعر … فكأن الناس لم تعد تصدّق أنّ فعل الخير لا يزال له دور في هذا الوطن المعذب المقهور … وكان جهد مشترك للمسؤولين المعنيين وإصرار من الجميع على إتمام الصلح قبل رحيل الرئيس عن كرسي بعبدا … ومنذ أكثر من سنتين لم يتذكر اللبنانيون إلا المصائب والأزمات تقع فوق رؤوسهم … هي رحلة عذاب يوميّة لكل لبناني إرتضى لنفسه وببعد إنتمائي للوطن أن يبقى على أرضه …

وبدأ الحفل بكلمة الأستاذ جنبلاط مرحباً بالحضور وشاكراً كل من سعى لختم الجرح الأخير من حرب الآخرين على أرضنا … وبالرغم من زلة اللسان وإبدال كلمة “سليمان” بكلمة “عون” فقد حوّلها وليد جنبلاط لصالح الوطن عندما أتى على سيرة الجنرال عون قائلاً: “من كثر ما منحلم فيه ليلاً نهاراً “وكانت رسالة طريفة إبداعية من صناعة ونسج جنبلاط ورأينا كيف هبّ الجميع ضاحكاً يفرج عن همّه من هذه الثقالّة التاريخية التي تشدّ الوطن إلى الوراء ماركتها “جنرال عون” … وأردف الأستاذ وليد جنبلاط قائلاً : “معكم نفتح صفحة جديدة من العيش المشترك المبني على صفحة الماضي بما يمثلّه من أحقاد “وأردف موجّها” حديثه إلى فخامة الرئيس “في هذا اليوم تختمون عهدا” حافلاً بالنجاحات والمخاطر التي قلّ نظيرها … لقد استطعتم قيادة السفينة، لقد وضعتم صياغة أسس واضحة للسياسة الدفاعية ترسي أمر الدولة فوق كل اعتبار عبر إعلان بعبدا، وشدّد جنبلاط على قيمة الوسطية التي اعتمدها وقال ان الأيام أثبتت صوابيّة خيار الوسطية والاعتدال والحوار الذي يثبت صموده وصوابيته أمام تناحر الأضداد… وتوجه جنبلاط إلى البطريرك الراعي قائلاً: وجودكم خطوة مباركة وجبارة في سياق إستكمال سلفكم الصالح البطريرك صفير ونحن نثمّن جهودكم في الحفاظ على الأرض وصونها وإثبات ليلاً نهاراً ان الوجود المسيحي في لبنان والشرق ضرورة… وأتى البطريرك الراعي في كلمته على السيرة العطرة لمسيرة الصلح وأكد بشكل قاطع على الواجب اللبناني والمصيري للمجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية والابتعاد عن الوصول إلى الفراغ القاتل! وطالب برئيس قادر بصبره وحكمته إلى قيادة مسيرة المصالحة الحقيقية للشعب اللبناني كله حيث تنتهي حرب المصالح الشخصية والانانيات الفردية وطالب برئيس متجدد من الأهواء الشخصية والقادر على جمع 8 و 14 ويكمل مسيرة الرئيس سليمان وأكد أن كل مصالحة سياسية ووطنية ترتكز أولا” على المصالحة مع الله والذات بروح التوبة والعودة إلى الضمير المستتر بصوت الله في أعماق القلب.

أما فخامة الرئيس فشدّد على العودة إلى الالتزام بإعلان بعبدا والابتعاد عن المحاور الخارجية والاقلاع عن وهم الاستعانة والاستقواء بالخارج لتحقيق الغلبة في الداخل … وذكّر الجميع بأن أطراف الحوار تعاهدوا بالرضى التام على هذا الاعلان وقال بجرأة واعتداد وعنفوان: حفاظاً على الثقة بالعقد الوطني أناشد بواجب العودة إلى لبنان والانسحاب من ساحات الجوار … وانتهى بجملة تاريخية: “إن الدولة الواحدة بجيشها الواحد الذي يمسك وحده بالسلاح هي القادرة بالدفاع عن الوطن وكسر الفيتوات الطائفية والأمن الذاتي وبتأمين عودة المهجرين وتأمين العيش المشترك الحر …

يوم 17 / 5 / 2014 كان عرساً لبنانياً بامتياز حيث تلاقت القلوب وتصافحت الأيادي وعلت الابتسامات الوجوه وتذكر الجميع الماضي بكل جروحه ونجاحاته وعيشه المشترك وكانت “نوستالجيا لبنانية” بامتياز … وأعطت زخماً جديداً نحو لبنان “كما يجب أن يكون ” ولعل كل المراقبين اللبنانيين والعرب والعالم شاهد وعلى الأرض مباشرة بأن اللبنانيين مستعدون للالتقاء وللإنتاج وصنع وطن عظيم ولكن شرط أن يثق اللبناني بنفسه على صناعة تاريخه بنفسه والإبتعاد عن المحاور وعدم الالتزام بما يقوله الخارج …

الزعيم وليد جنبلاط والرئيس ميشال سليمان والبطريرك الراعي بالأمس وفي بريح بالذات بعثتم برسالة أمل سكنت كل المساحات وأثبتّم للعالم بأن هذا الوطن خالد سرمدي لن يموت .

“مجد الحكماء يعترف به التاريخ متأخرا” وسيأتي يوم ويذكر التاريخ وليد جنبلاط والرئيس ميشال سليمان والبطريرك الراعي بأنهم حققوا مفصلاً صعباً ونجحوا به بعد ثلاثين عاما” ، قضية كانت شبه مستحيلة فذلّلوا عِقَدَها إسمُها قضية بريح.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة